كما هو معروف تعيش ليبيا أزمة إقتصادية خانقة معقدة منذ سنوات و ذلك نتيجة لجملة من السياسات الفاشلة و المتراكمة عنوانها الأبرز الفساد و سوء الإدارة و إنعدام التخطيط و الإنقسام السياسي و المؤسسي الممنهج .
حيث يمكن لنا إيجاز أوجه أو مظاهر هذه الأزمة في الأتي .
1- إيرادات نفطية محدودة قد يتوقع ألا تتجاوز و في أفضل أحوالها في المدى القصير أو المتوسط حاجز 17 مليار دولار سنوياً مع العلم إن هذه الإيرادات هي المصدر الوحيد تقريباً لتمويل الميزانية العامة للبلاد و في توفير كافة إحتياجاتها الأساسية و غير الأساسية عبر الخارج .
2- إيرادات سيادية من ضرائب و جمارك و رسوم خدمات و فوائض شركات لا ثمتل شيء من إجمالي الإيرادات العامة فقيمتها في العادة 2 مليار دينار سنوياً و نسبة مساهمتها في تمويل الميزانية لا تتجاوز %025 من إنفاق عام قد يناهز 80 مليار دينار في العام الحالي 2021 م .
3- إنفاق عام ضخم غير منتج و غير مبرر أصلاً جله إداري نسبة الإنفاق التنموي الحقيقي منه لا تدكر، و لا يقدم هذا الإنفاق أي إضافة للناتج المحلي للبلاد و يتم تمويله معظمه من خلال سلف المركزي إلى أن تجاوز حجم هذه السلف حاجز 140 مليار دينار ( للحكومتين في شرق البلاد و غربها ) صرفت بالمخالفة للقانون ،و عندما تفاقم حجم هذه السلف تم االلجؤ إلى إستزاف دخول و مدخرات المواطنين كافةً بما فيهم أصحاب المعاشات الاساسية كوسيلة لتمويل الهدر في الآنفاق العام تحت غطاء ضريبة مبيعات النقد الأجنبي حيث يقدر ما تم جبايته من هذه الضريبة بأكثر من 52 مليار دينار .
4- إلتزامات مالية قائمة ضخمة انشئتها الحكومتين في غرب البلاد و شرقها لا حصر لها فضلاً عن حقوق مالية متراكمة مكتسبة للمواطنين مكفولة بموجب القوانين و التشريعات النافذة في شكل علاوات للأبناء و زيادة في المرتبات تقدر قيمتها بعشرات المليارات ، و الغريب أصبح الْيَوم صرف هده الحقوق بأثر فوري و ليس رجعي مشروط بتخفيض قيمة الدينار و رفع الدعم عن الوفود .
5- معروض نقدي ضخم بشقيه يفوق حاجة السوق بكثير يقدر إجماليه خارج النظام المصرفي بأكثر من 50 مليار دينار و ب 80 مليار دينار بداخله ( حسابات جارية و ودائع للحكومتين و المواطنين ) و هذا المعروض مرشح و بقوة للزيادة في ظل إجراءات تخفيض قيمة الدينار و الإرتفاع المتوقع للإنفاق العام في ميزانية العام الحالي 2021 م
6- أزمة سيولة مزمنة معقدة مرشحة للتفاقم في ظل تزايد المعروض المعروض النقدي جراء زيادة الإنفاق العام من ناحية و تراجع الإيرادات العامة من ناجية أحرى و لا وجود لسياسيات نقدية و مالية لمعالجتها عداء الكلام العام و إعتماد سياسة بيع الدولار و إستنفاذ رصيد البلاد من العملات الأجنبية كمسكن للتخفيف من حدتها فقط و ليس لعلاجها
7- إحتياطي نقدي أجنبي في تراجع مستمر بسبب توقف تصدير النفط و إنخفاض أسعاره فضلاً عن الإفراط في إستخدامه أو إهداره على مدار سنوات 12،13،14،15،18،19 ما أدى في نهاية المطاف إلى إنخفاض كبير في قيمة الدينار أمام الدولار ، و للأسف هذا الإنخفاض مرشح أيضاً للمزيد للأسباب ذاتها
8- معدلات تضخم مرتفعة بشكل ملحوظ سيما في السلع الأساسية من غداء دواء و وقود و خدمات صحية و تعليمية و إسكان و نقل و غيرها و هذه المعدلات يتوقع أن ترتفع و بشكل أكبر مع التوسع في الإنفاق العام و رفع الدعم و إرتفاع الدولار .
9- معدلات بطالة مرتفعة جداً لا توجد نسب رسمية محددة لها و هذه النسب مرشحة للزيادة في ظل إنعدتم التنمية و وضعف القطاع الخاص و ترهل النظام المصرفي الذي عاجز عن خلق الإئتمان جراء تعطل أدوات السياسة النقدية و أنهاك إحتياطياته بسبب توسعه في إقراض الحكومة و ذلك بعد أن عجزت الأخيرة عن تمويل ميزانيتها بسبب توسعها في الإنفاق و ضعف إيراداتها .
10- ناتج محلي في تراجع ملحوظ يقابله زيادة ملحوظة في معدلات النمو السكاني ، و المؤسف أن هذا الناتج يمثل قرابة فقط %30 من الدين العام المصرفي و السؤال هو كم نسبة هذا الناتج من إجمالي الدين العام ( الدين المصرفي و الإلتزامات المالية القائمة ) ؟ و كم نسبة دين عام لبنان المنهار إقتصادياً إلى ناتجه المحلي ؟؟ و الْيَوم لا توجد وسيلة لزيادة هذا الناتج فمعظمه يرتكز على قيمة إنتاج و مبيعات النفط .
عليه و بناءاً على ما تقدم فإن الغريب في الأمر و رغم حجم و حدة هذه الأزمة و تداعياتها القاسية على المواطنين و على إقتصاد البلاد و التي بالتأكيد تفوق وصفنا لها، فإن تعاطي الحكومات و المركزي معها يتم و للأسف بعقلية غريبة و ليس بعقلية إقتصادية وفق لتجارب و نظريات الإقتصاد الكلي و في إطار خطط و إستراتيجيات محددة تعتمد على التحليل و المقارنة و الإستنتاج بل من خلال الكلام العام المرسل و مقترحات يضعها بعض التجار و تسوقها بعض وسائل الإعلام المختلفة فضلاً عن غياب تام لممعايير و مبادئ الإفصاح و الشفافية بشأنها من قبل المركزي و الحكومة ، فقرار تخفيض قيمة الدينار عند 4،84 دينار للدولار يهدف بالدرجة الأولى إلى إطفاء الدين العام المتراكم الذي يقدر بأكثر من 140 مليار دينار جراء الهدر في الإنفاق العام على مدار السنوات الماضية و تحميل كافة المواطنين تبعاته بالإضافة إلى تمويلهم لميزانية العام الحالي 2021 م ، كما إن القرارات التي أتخذها الرئاسي مؤخراً و عزمه إقرار ميزانية بقيمة قد تصل 75 أو 80 مليار دينار إقتصادياً ستفاقم الأزمة و لا تعالجها فزيادة الإنفاق العام من خلال زيادة وهمية في الايرادات النفطية نتيجة لتخفيض قيمة الدينار و ليس نتيجة لزيادة حقيقية في السلع و الخدمات ستؤدي حتماً إلى زيادة اكثر في الإسعار سيما في السلع و الخدمات الأساسية فتلك الزيادة الوهمية في الايرادات النفطية ناتجة عن زيادة في قيمة الدولار و ليس نتيجة لإرتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية ، فإذا كانت إيرادات نفطية بقيمة 17 مليار دولار تقدر في السابق بقيمة 24 مليار دينار على سعر 1.40 دينار للدولار فإن الْيَوم ستقدر ب 76 مليار دينار .
و ليس هذا فقط بل هذا الإنفاق إن تم فعلاً سيفاقم من أزمة السيولةً فأرصدة الحسابات الجارية ستتزايد سواء للمواطنين او للحكومة كما إن الطلب على الدولار سيرتفع .
و أخيراً فإن الشيء الذي لم أستوعبه بعد هو كيف للمركزي يعلن عن إغراق للمصارف بالسيولة و وسيلته في ذلك أستزاف النقد الأجنبي و ليس عبر أدوات السياسة النقدية و لم يأخد في إعتباراته تداعيات إجراء كهذا على رصيد الإحتياطي الأجنبي و على الأسعار و يبدو إنه لا يرى الإستمرار في هذه الإجراءات سيقودنا إلى السناريو السوداني و اللبناني و إن كان ببطء نوعاً ما و ذلك لإختلاف الظروف .