رأت "مجموعة الأزمات الدولية”، أن الوضع في ليبيا برغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي وصفته بـ”الهش”، الذي تم توقيعه في أكتوبر في ليبيا، وتجنب تجدد الصراع حتى الآن، إلا أن التوترات لا تزال مرتفعة، خاصة وأن العام على وشك الانتهاء دون إحراز تقدم كبير في المفاوضات السياسية والاقتصادية التي كان من المُفترض أن تُمهد الطريق لإعادة توحيد البلاد المنقسمة إلى قسمين منذ عام 2014م.
وتحت عنوان "إنتاج النفط معرض لخطر الانهيار الجديد”، رأت الورقة التحليلية أن التفاؤل بشأن استئناف ليبيا السريع المفاجئ لإنتاج النفط منذ اتفاق سبتمبر، بدأ يتلاشى، مشيرة إلى أنه برغم بلوغ الإنتاج 1.3 مليون برميل يوميا في أوائل ديسمبر، إلا أن المخاوف من أن الإنتاج قد يتوقف مرة أخرى بحلول نهاية العام الجاري يتزايد، في ظل الخلاف حول إدارة عائدات النفط دون حل.
وذكرت الورقة التحليلية، أن الخلاف يدور حول إجراءات دفع مبيعات النفط المثيرة للجدل التي وضعتها حكومة الوفاق والمؤسسة الوطنية للنفط في سبتمبر كجزء من الصفقة، منوهة بأن هذه الترتيبات التي تدعمها الولايات المتحدة والأمم المتحدة، والتي لم تُعلن إلا في الأسابيع الأخيرة، هدفت إلى إنهاء الحصار على قطاع النفط في جميع أنحاء البلاد.
وأشارت، إلى أن هذا الاتفاق ساري المفعول منذ يناير 2020م، مبينة أنه بموجب هذه الصفقة، قامت حكومة الوفاق والمؤسسة الوطنية للنفط بتعديل طريقة إدارة عائدات النفط، في انحراف عن الإجراء المعياري الذي يتم فيه تسديد إيرادات النفط إلى المصرف الليبي الخارجي، الذي حول تحويل الأموال تلقائيًا إلى خزائن مصرف ليبيا المركزي.
ولفتت إلى أنه من المفترض الآن أن تأمر المؤسسة الوطنية للنفط بالاحتفاظ بإيصالات التصدير "مؤقتًا” في حسابها الخاص مع المصرف الليبي الخارجي، في انتظار تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة وإعادة توحيد البنك المركزي، الذي تم تقسيمه منذ عام 2015 م، إلى بنك معترف به دوليًا واحد في طرابلس وفرع موازٍ لكن غير معترف به دوليًا في الشرق متحالف مع خصوم طرابلس، على حد وصفها.
واعتبرت، أنه في حالة عدم إحراز تقدم في هذه النقاط، من المفترض أن تتراكم الأموال في حساب مؤسسة النفط الوطنية دون تغيير .
ووصفت الآلية الجديدة بـ”المثيرة للجدل”، لعدد من الأسباب، أولها، أنه لا يوجد مرسوم رئاسي أو وثيقة قانونية تخوّل المؤسسة الوطنية للنفط تغيير آلية الدفع، وثانيها، أنه كان من المفترض أن تنتهي هذه الآلية بعد 120 يومًا، أي نهاية ديسمبر.
ورأت أنه بدون إحراز تقدم كبير في المفاوضات السياسية لتشكيل حكومة جديدة أو إعادة توحيد البنك المركزي، فأنه من غير الواضح ما إذا كان سيتم إلغاء الترتيب واستعادة آلية الدفع السابقة في نهاية العام، مشيرة إلى أن البنك المركزي في طرابلس يريد استعادة الآلية القديمة، لكن اتخاذ هذه الخطوة قد يؤدي إلى حصار نفطي جديد.
ولفتت، إلى أنه بدلاً من ذلك، يمكن أن تظل ترتيبات الدفع الحالية سارية ، كما تفضل مؤسسة النفط الوطنية، كوسيلة لضمان إنتاج النفط دون انقطاع، قبل أن تشير إلى أن هذا من شأنه أن يثير مشكلة كيف سيغطي البنك المركزي مدفوعات ميزانيته الإلزامية، في غياب الإيرادات المتراكمة عليه.
وأوضحت، في سيناريو ثالث أكثر ميمونًا، على حد وصفها، يمكن تعديل آلية الدفع من خلال حل وسط جديد، ولكن حتى الآن لم يقدم أحد اقتراحًا ملموسًا.
وتحت عنوان "خطر تقييد المعاملات التجارية الدولية مع المصرف الخارجي”، أكدت الورقة التحليلية، أن هذا الصراع على عائدات النفط، يأتي على خلفية نزاع حول السيطرة على البنك الليبي الخارجي، البنك التجاري والاستثماري الرئيسي في البلاد المملوك بالكامل للبنك المركزي، والذي لا يوجد لديه مدير في الوقت الحالي.
وأضافت، احتدم الخلاف الداخلي حول قيادة البنك منذ سنوات، لكنه دخل في نوفمبر، مرحلة أكثر خطورة عندما ادعى كل من المدير السابق للبنك والبنك المركزي وحكومة طرابلس الحق في رئاسة البنك.
وتابعت، ويثير هذا المأزق احتمال أن تتمكن المؤسسات النقدية الدولية من إنهاء أو تقييد جميع العلاقات التجارية مع هذا البنك في إجراء يُعرف باسم "إزالة المخاطر”، محذرة من عواقب مثل هذه الخطوة على القطاع المالي الليبي، لأن هذه المؤسسة أساسية لإدارة كل من عائدات النفط الليبية ونظام الاستيراد والتصدير.
وشددت ورقة "الأزمات الدولية” ، على أن تسوية الخلاف حول السيطرة على البنك الليبي الخارجي أمر ملح، وكذلك إيجاد حل وسط حول كيفية إدارة عائدات النفط الليبية، مبينة أنه لتحقيق هذا الأخير، سيحتاج الطرفان إلى التوصل إلى اتفاق جديد، يحقق توازناً بين تزويد حفتر وداعميه الأجانب بضمانات حماية عائدات مبيعات النفط الواردة من جهة، والاستفادة من جهة أخرى.
وحثت الورقة في الختام، المسؤولين الأمريكيين، الذين كانوا الوسطاء الرئيسيين لصفقة سبتمبر، المساعدة في صياغة ملامح مثل هذه الاتفاقية بالتشاور مع وزارة الخزانة الأمريكية والحكومات الأجنبية ذات الصلة؛ حيث البديل سيكون إما حصارًا جديدًا لقطاع النفط أو تصعيدًا للنزاعات المالية، وكلاهما من شأنه أن يفاقم الظروف المعيشية المتردية بالفعل لليبيين العاديين ويمكن أن يؤدي إلى تجدد القتال في المناطق الغنية بالنفط، وفق تقديرها.