في السابع عشر من ديسمبر الماضي قرر مجلس إدارة المركزي تخفيض قيمة الدينار الليبي رسمياً عند 4.48 دينار للدولار بدلاً من 1.40 دينار للدولار و ذلك في إطار ما سماه بتوحيد سعر الصرف .
و قد رافقت القرار المذكور أنذاك رسائل طمأنينة من مسؤولي و مختصين و مهتمين بالشأن الإقتصادي و ذلك بإن القرار ستكون له اثار إيجابية على الأسعار و دخول المواطنين و على السيولة بعد أن يتم صرف علاوة الإبناء و تفعيل الزيادة المقررة سابقاً في المرتبات و المحددة بما نسبته %20 بل أكدوا إن القرار سيؤدي إلى إنعاش الإقتصاد و إحياء العملية التنموية .
في الوقت الذي لم تتم الإشارة لا من بعيد و لا من قريب إلى الأهداف الحقيقية وراء اقرار قرار كهذا و إلى تداعياته الإقتصادية .
و اليوم و بعد قرابة تسع أشهر على سريان القرار يمكن لنا إيجاز أبرز أثاره في الأتي .
1- القرار أدى إلى زيادة في أسعار السلع و الخدمات الأساسية بما نسبته %25 قياساً بالسعر الرسمي 1.40 سابقاً مضافاً اليه قيمة الضريبة على مبيعات النقد الاجنبي أي سعر 3.62 دينار للدولار ، بالطبع دون الخوض في العوامل الأخرى كارتفاع تكلفة الشحن و غيرها .
2- القرار أدى بشكل مباشر إلى إنخفاض قيمة أو القدرة الشرائية لمرتبات و مدخرات المواطنين و المعاشات الأساسية و التضامنية بالنسبة ذاتها ، فمرتب ب 800 دينار كانت تعادل قيمته 221 دولار على سعر 3.62 أما على سعر 4.48 فإنه يعادل 178 دولار
3- القرار أدى إلى زيادة كبيرة في حجم الإنفاق العام ما حدا بالحكومة إلى تقديم مشروع ميزانية بقيمة 111 مليار دينار و بزيادة قدرها أكثر من %100 من حجمها في العام الماضى ما تسبب في عدم إقرارها و إندلاع أزمة سياسية حادة بينها و بين مجلس النواب قد تعود البلاد بسببها إلى المربع الأول أي مربع الفوضى و الإنقسام و الحروب لسمح الله .
4- القرار أدى إلى تزايد المطالب بزيادة المرتبات في كافة القطاعات و التي لن تتوقف فهي محقة و عادلة و مشروعة و على الحكومة و المركزي تحمل تبعات ذلك و الاثار و التداعيات التي ستنتج عنها
5- القرار لم يؤدي إلى الحد من إستنزاف النقد الأجنبي كما كان متوقع له ، فالمبيعات النفطية عن الفترة من 1/1 حتى 31/7 الماضي و البالغة 11.398 مليار دولار تم إنفاقها بالكامل بعد أن بلغت قيمة المدفوعات لكافة الأغراض ما قيمته 16 مليار دولار تقريباً حيث تم تغطية الفرق من خلال قيمة المبيعات النفطية المجمدة عن العام 2020 م و التي تقدر ب 4 مليار دولار تقريباً .
6- القرار لم يؤدي إلى معالجة أزمة السيولة و ما حدث و يحدث هو تخفيف مؤقت من حدتها و بطريقة مكلفة جداً ترتكز أساساً على إستنزاف إحتياطي البلاد من العملات الإجنية من خلال بيع النقد الأجنبي لكافة الأغراض .
7- القرار تسبب اليوم في ركود تضخمي أو ما يعرف ب Stagflation حيث هناك تكدس في السلع و تراجع في الطلب بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطنين و إرتفاع الأسعار .
و اليوم إتضحت لنا الإهداف الحقيقية وراء القرار و التي لم تعلن في حينها لعل أهمها .
1- حصول الحكومة على مصدر تمويل لميزانيتها ، فعندما تقترح الحكومة ميزانية ب 111 مليار دينار هذا لا يعني إنها دبرت مصادر إضافية لتمويلها، لا بل على العكس هي لم تدبر و لم نبحت عن تلك المصادر و ما قامت به هو إن الايرادات النفطية المقدر ب 20 مليار دولار لهذا العام كانت تعادل 28 مليار دينار على سعر 1.40 أصبحت تعادل اليوم قرابة 90 مليار دينار يضاف إليها أيرادات نفطية مجمدة عن الماضي بقيمة 4 مليار دولار و بما يعادل 17مليار دينار
2- ضمان المركزي لإسترداد قيمة السلف المالية ( الدين العام ) التي منحها بالمخالفة للحكومات السابقة و التي تقارب من 150 مليار دينار و ذلك من خلال إعادة تقييم أصوله عملاً بأحكام المادة 27 من قانون المصارف ، و لعلنا لاحظنا إن المركزي لم يعد يثير موضوع الدين العام كما كان في السابق
3- القرار بدون شك ساعد المركزي في التخفيف من إستنزاف النقد الاجنبي في ظل زيادة و تنامي الطلب .
و في الختام يمكن لنا تعريف مفهوم تخفيض قيمة الدينار بإنه ( زيادة في الإيرادات الوهمية للحكومة يقابلها إنخفاض حقيقي في قيمة دخول و مدخرات المواطنين ) .
كما يجب التذكير بإني قد قمت بالتحذير من تداعيات هذا القرار في العديد من المرات و عبر وسائل الإعلام المختلفة خاصة و إن إقراره تم دون أن ترافقه تدابير على صعيد السياسة المالية و النقدية و التجارية و غيرها من إجراءات و في ظل غياب أو عدم تناغم في السياسات بين المركزي و الحكومة ناهيك عن تردي حالة الإستقرار و إنقسام المؤسسات .