كان لاجتماع مصرف ليبيا المركزي وقراره بتعديل سعر الصرف صدى كبير على جميع الأصعدة ولهذا دلالة على أهمية الوضع الاقتصادي في الأزمة الليبية وتأثيراته على حياة المواطن اليومية.
هذا القرار يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح ولكن كأي قرار اقتصادي سيكون له تحديات كبيرة وخيارات متعددة، بحيث أن التعامل مع هذه التحديات سيحدد نجاح أو فشل هذا القرار.
هنا سأحاول سرد الإيجابيات والتحديات وبعض التوصيات للوصول بالوضع الاقتصادي إلي بر الأمان.
إيجابيات وضع القرار
أولا: محاربة الفساد؛ من أهم ايجابيات هذا القرار هو إنهاء التميز الذي تتمتع به الحكومة على حساب الشعب، إذ لا يعقل استمرارية اختلاف سعر الصرف، حيث أن الحكومة الليبية تتحصل على الدولار بسعر مدعوم بينما المواطن والتاجر يتحصل (في حالات نادرة) على العملة الصعبة بسعر أعلى بكثير من الحكومة قد تصل النسبة الى ما بين 300% و 400%.
هذا الاختلاف في سعر الصرف نتج عنه فساد كبير جدا وبتوحيد سعر الصرف سيتم إغلاق هذا الباب من الفساد والتمييز السلبي للحكومة.
ثانيا: التحسين الجزئي في مشكلة السيولة؛ مع توحيد سعر الصرف -بشرط توفره للجميع - كثير من الناس سيتعاملون مع النظام المصرفي لحوالاتهم مما سينتج عنه نتيجة إيجابية في حل أزمة السيولة وإنقاص الفروقات بين الدفع النقدي والصكوك لأن كثير من الكتلة النقدية الليبية سترجع إلى المصارف وهذا سيقلل من أزمة السيولة، ولكن وجب التنويه على أن الحل النهائي لمشكلة السيولة سيتطلب إصلاحات اقتصادية أكثر من ذلك.
ثالثا: التحسن النسبي في القوة الشرائية؛ بالرغم من عدم وجود توافق في الرأي بين المهتمين بالشأن الاقتصادي فيما يتعلق بتحسن الأسعار، ولكن في اعتقادي أن القوة الشرائية للدينار ستتحسن نتيجة لهذا القرار، وهذا الاعتقاد ناجم عن مقارنة المواد المستوردة بالسعر الرسمي والاخرى المستوردة بالسعر الموازي، وذلك لان المسموح باستيراده بالسعر الرسمي عن طريق قرار المصرف المركزي رقم (22020) والخاص بوضع ضوابط وتنظيم فتح الاعتمادات هو قرابة الخمسين مادة فقط (كالألبان ومشتقاتها وبعض الأدوية) بينما الباقي كله يتم تسعيره بسعر السوق الموازي (كالسيارات ومواد البناء).
كذلك المواد المدعومة بالسعر الرسمي لا تمثل اكثر من 30% من السلع المستوردة العام الماضي بينما المواد الغير مدعومة تمثل 70% من الواردات الكلية، وإذا افترضنا أن 30% من السلع المدعومة بالسعر الرسمي يتم بيعها بهذا السعر وال 70% يتم بيعها بالسعر الموازي فإن الزيادة في الاسعار ستحدث في 30% فقط من المواد بينما الباقي سيقل سعره؛ بمعنى آخر أن الزيادة في ثلث المواد تقابلها نقصان في ثلثي المواد وهذا سيقوي الدينار الليبي نسبيا.
التحديات
إن قرار المصرف المركزي يتكون من شقين: الشق الأول هو توحيد سعر الصرف على الجميع (الحكومة والأفراد) , أما الشق الثاني هو تحديد السعر الجديد؛ هناك توافق عام أن الشق الأول يعتبر خطوة صحيحة جدا لسد أحد ابواب الفساد ولكن الخلاف كله على الشق الثاني من القرار، حيث يعتقد الكثير أن هذا السعر ليس السعر الصحيح، وفي هذا الصدد، ستواجه الحكومة التحديات الآتية:
(1) ارتفاع السعر قد يسبب في ركود اقتصادي في حالة عدم تقليله تدريجيا.
(2) في حالة عدم قدرة المركزي والمصارف التجارية على توفير العملة للجميع بدون تمييز قد يرتفع سعر الصرف بسعر أكبر من السعر السابق في السوق الموازي.
(3) يجب على الحكومة العمل بشكل موازي لتحسين الوضع الاقتصادي لأصحاب الدخل المحدود مثل دفع أرباب الأسر أو منحة الزوجة والطفل وغيرها من السياسات المالية لتحسين وضع المواطن.
(4) الوضع السياسي العام الهش والذي إذا حدث فيه أي انحراف قد يعود بنا الى الوضع الأول أو أسوء.
النصائح
يجب أخذ كل الذي ذكر بعين الاعتبار وكذلك انصح بالتوصيات الآتية على المستوي المالي والنقدي:
السياسات المالية (الحكومة):
أول القرارات التي يجب على الحكومة اتخاذها هو إلغاء قرار الضريبة على بيع النقد وكذلك السعي على توحيد الميزانية العامة والإرشاد في الإنفاق وهذا كله يعتبر من البديهيات، ولكن ما أود التركيز عليه هو الإجابة على مخاوف وتساؤلات الناس حيث أن من أحد اسباب غضب الشعب تجاه هذا القرار هو قلة الثقة في الحكومة واعتقاد الناس أن ما حدث هو عملية سرقة قامت بها الحكومة بنقل العجز من ميزانية الحكومة الى ميزانية الأسرة الليبية، ولنجاح فاعلية هذا القرار لابد من التعامل مع هذه المخاوف بطريقة جدية والعمل على تخفيف شكوك الناس في إدارة الأموال الجديدة التي ستتحصل عليها الحكومة من زيادة سعر الصرف.
لذلك انصح بإنشاء صندوق من الفائض الكلي الناتج من هذا القرار وتوضيح بالأرقام أوجه صرف المبالغ الجديدة وتحديد أولويات الصندوق التي يجب أن تتركز على ثلاثة اشياء: 1) دعم أصحاب الدخل المحدود، 2) دعم المشاريع الصغرى والمتوسطة، 3) تحسين الخدمات الصحية والتعلمية في البلاد.
وإذا رغبت الحكومة في استعمال جزء من الفائض في دفع الديون فإنه لابد لها من اتباع الشفافية والإعلان عن النسبة التي ستقطعها لسداد الديون الحكومية، كخطوة أولى: يمكن إنشاء موقع الكتروني يحتوي على كل البيانات المتعلقة بالفائض المالي وتوضيح بالتفاصيل قنوات الصرف.
السياسات النقدية (المركزي)
أولا: لابد من تجنب وضع قيود إدارية أو كمية على حرية التعامل بالعملة الأجنبية شراءً وبيعـاً سواء للأفراد أو للمؤسسات العامة والخاصة، ثانيا: يجب المساواة في التعامل مع جميع المصارف سواء الخاصة او العامة وإزالة العقبات أمام حصولهم على النقد الاجنبي، ثالثا: لابد للمصرف أن يستمر في لعب دوره الأساسي والعمل على خلق الأرضية الملائمة لتعديل سعر صرف الدينار وصولاً إلى تحديد القيمة التبادلية الحقيقية للدينار التي تتلاءم مع معطيات الاقتصاد الليبي، وأخيرا: لابد من اتباع سياسة الشفافية ونشر البيانات الدورية مع المواطن والتجار لكي ترجع الثقة في المؤسسة النقدية من جديد.
وفي الختام لا يمكن النظر في قرار تعديل سعر الصرف كطوق النجاة الوحيد الذي سيحل جميع مشاكلنا الاقتصادية، فلابد للوضع السياسي والامني من استقرار لكي نتمكن من السير بخطوات ثابتة نحو الإصلاح وإن أي حرب أخرى ستكون تكلفتها باهظة على الاقتصاد الوطني وللأسف قرار التعديل سيعتمد نجاحه أو فشله على المسار السياسي في الإصلاح.