عدل سعر صرف الدينار وتم تخفيض قيمته رسميا أمام العملات الرئيسيّة وصفق من صفق لتوحيد السعر لجميع الأغراض وحزن من حزن للأثار التي ستكون قاسية علي الفئات الهشة و الضعيفة بالمجتمع و كلاهما محق فيما ذهب اليه من راي.
المصرف المركزي اجتماع عن بعد و بعد انقطاع 6 سنوات وعدل سعر الصرف الرسمي و نقله من 1.4 دينار للدولار الواحد الي مستوي اعلي بمقدار 220% ليستقر رسميا عند 4.48 دينار للدولار محاولا تقليص الفارق مع السوق الموازي برغم انه ترك السوق الموازي طوعا ليرتفع بالسعر بسبب سياسته الغير مستقرة تجاه عرض النقد الأجنبي بالفترة الماضية مدة طويلة ، و علي الاغلب سيستمر الفارق بين السعر الجديد و سعر السوق الموازي طالما هناك قيود كمية و نوعية وقد تزيدها اكثر القيود الإجرائية من قبل البنوك بسبب البيروقراطية و الفساد و تدخل بعض الجهات الرقابية بالدولة و عدم القدرة علي الاستجابة المناسبة و بالسرعة المطلوبة.
و طبعا هذا التعديل يستلزم إعادة تقييم كافة احتياطيات المصرف المركزي و يتحقق من خلالها للمصرف المركزي استرجاع كامل الدين العام الذي قدمه للحكومتين مرة واحدة ، و الفائض يفترض ان يذهب لحسابات الحكومة لدي المصرف المركزي و لكن المركزي احتفظ بها في حساب احتياطي علي أساس انه سوف يستخدمه عندما يعيد تخفيض سعر الصرف في المستقبل وبذلك يمنع الحكومة نظريا من استخدامه مؤقتا في الانفاق بالموازنة العامة القادمة، وربما انتظارا لعودة تدفق إيرادات بيع النفط من العملة الأجنبية الي البنك المركزي من جديد و كمحدد لعملية الاستخدام المفرط من الحكومة في تمويل النفقات الجارية.
هناك حالة من انعدام الثقة والصراع الغير خافية علي احد بين المركزي و حكومة الوفاق، انعكست في عدم التوافق علي مشروع اصلاح مشترك و ذلك يهدد أي فرصة برغم انها تبدو ضعيفة لإجراء اصلاح اقتصادي شامل، ان الإصلاح النقدي لابد ان يصاحبه اصلاح مالي كظله ليخفف الأثر علي عامة الشعب فالظل لا يمكن ان يستقيم حاله و العود اعوج من أساسه.
الواقع ان فرض قيود علي شراء العملة من البنك المركزي و عدم فتح المجال لمختلف الاستخدامات يعكس تخوف المركزي من عدم قدرته علي الاستجابة لطلبات شراء العملة و خصوصا في ظل عدم وجود أدوات لإدارة السيولة المحلية بالاقتصاد وتعطل سوق الائتمان المصرفي، و تحوطا من المصرف المركزي لحالة عدم التأكد المحيطة بتصدير النفط و موعد إحالة الإيرادات اليه و نتائج المسار السياسي و ما قد يسفر عنه من توحيد او استمرار حالة الانقسام و الصراع الليبي الداخلي.
سيبقي ما تم من تعديل سعر الصرف ونقله الي مستوي جديد بالمستوي العام للأسعار سيناريو متكرر و لم يقدم حلا متكاملا كما يرتجي فالأوضاع تحتاج معالجة شاملة و رفع للقيود مبرمج و قواعد لتنظيم الاستيراد بكافة انواعه في اطار سياسة تجارية و قواعد لاستدامة المالية العامة للدولة الليبية تحافظ علي مستوي مناسب من الانفاق التنموي و شبكة حماية اجتماعية واضحة و شاملة تحمي من تأثيرات التغيرات الحادة بالاقتصاد و ليس اختزالها في صرف علاوة العائلة فقط فهي جزء فقط من الشبكة و حتما يحتاج الي معالجة مصاحبة متزامنة و ليست لاحقة و مرتبكة و قد تكون غائبة اذا استمر عدم التوافق المؤسسي الحكومي ، فلن يكون مناسبا ان نصلح نوافذ البيت المقفلة و نتركه بدون أبواب علي الاطلاق .
في قناعتي الراسخة ان ما حدث من تعديل لسعر صرف الدينار هو عملية تحريك وليس اصلاح اقتصادي بمعناه الشامل فنفس القيود مستمرة و الأهم ان البنك المركزي استرجع ديونه علي الحكومتين و ترك الحكومات المنقسمة تدبر امرها مع شعبها وازدياد تعقيد الموقف في قادم الأيام اذا لم يتحقق الحل السياسي الشامل ستكون الحكومات بدون ميزانيات و البنك المركزي بدون إيرادات مستقرة ليستمر منهج المساومة و الصراع بين أدوات إدارة الاقتصاد الليبي و الذي حتما سيجعل أي عملية اصلاح تحت محك الفشل طالما لا يوجد مشروع اصلاح شامل لأبواب و شبابيك البيت.