الجهاز المصرفي التجاري الليبي في أزمة.. أزمة ملكية.. وأزمة إدارة.. وأزمة كفاءة.. وأزمة هوية.. وأزمة سياسة.. بني الجهاز المصرفي الليبي، على أعمدة فروع لمصارف خارجية.. هي فروع لمصارف أجنبية.. من بريطانيا ومن الأردن ومن مصر ومن إيطاليا.. بعد تأميمها وإعادة تنظيمها في أوائل السبعينيات، ملكت جميعها للمصرف المركزي، ففقدت هويتها واستقلالها وتنوعها الإداري والمهني والسياسي.
قبل تأميمه وإعادة تنظيمه، كان الجهاز المصرفي التجاري الليبي، مكوّنًا من فروع لبنك بريطاني، هو بنك باركليز، ومن فروع لبنك بريطاني آخر، هو البنك البريطاني للشرق الأوسط، ومن فروع لبنك أردني، هو البنك العربي المحدود، ومن فروع لبنك مصري، هو بنك مصر، ومن فروع لبنك روما، وهو بنك إيطالي، ومن البنك الوطني الليبي، وهو مصرف ليبي حكومي أسس عام 1956، وبنك الصحارى، وهو شراكة بين ليبيين خواص ومصرف أميركي، ومصرف القافلة الأهلي، وهو أول مصرف ليبي خاص أسس عام 1969.. أدمجت جميعها في خمسة مصارف، هي المصرف التجاري الوطني، ومصرف الأمة، ومصرف الجمهورية، ومصرف الصحارى، ومصرف الوحدة، وملّكت جميعها، كما سبق القول، لمصرف ليبيا المركزي.
وكان تمليك الجهاز المصرفي التجاري المكوّن من خمسة مصارف للمصرف المركزي، قد أحالها في الواقع إلى مصرف واحد له خمسة أسماء. نفس المالك، ونفس الجمعية العمومية، ونفس السياسة، ونفس التوجيه والتوجه.
حمّلت المصارف بأعمال ليست من اختصاصها، ولكن بعضها كان ذا أهداف اجتماعية مهمة.. طلب منها منح قروض عقارية لبناء مساكن للمواطنين، الذين يملكون قطع أراض صالحة للبناء، بأسعار فائدة خاصة، استفاد منها عدد من المواطنين، وأصبحوا يمتلكون بيوتهم الخاصة، ولكنها في نفس الوقت حمّلت بأعمال أخرى ثقيلة، قصمت ظهورها، وأثّرت على حسن أدائها.. في الفترات الأخيرة أسس عدد من المصارف الخاصة.. بعضها مع الأسف يمتلكها ويسيطر عليها تجّار ومستوردون، ويوجّهونها لخدمة مصالحهم، وهذا ما لا يجب أن يسمح به، وعلى المصرف المركزي أن يفحص بدقة المصارف الخاصة المشتبه بها .. وهو يعرفها تمام المعرفة، ليتأكد من أنها في خدمة الاقتصاد، على قدم المساواة دون تفرقة.