نور الدين حبارات يكتب لمصارف ( اسباب ومبررات الخلاف بين الرئاسي والمركزي بشأن ضريبة النقد الأجنبي و الحلول المقترحة) "قراءة تحليلية اقتصادية قانونية موجزة"
تزايدت مؤخرا هوة الخلاف بين الرئاسي و المركزي بشأن ضريبة النقد الأجنبي خاصة بعد توقف تصدير النفط و إقرار الترتيبات المالية للعام الحالي 2020 م حيث يرى الرئاسي ضرورة الإبقاء على السعر الحالي عند 3،65 دينار للدولار بإعتبار زيادته ستؤدي الى مزيد من الإرتفاع في أسعار السلع الأساسية كالغذاء و الدواء و مواد الخام في وقت يعاني فيه السوق من نقص شديد في السلع الأساسية نتيجة للطلب المتزايد و الملحوظ عقب المخاوف من تفشي وباء كورونا و تزامنا مع قرب حلول شهر رمضان فضلا عن التأخر في فتح الإعتمادات المستندية بعد أن أوقف المركزي منظومة بيع النقد الأجنبي بسبب الخلاف القائم على سعر الضريبة و هذا الرأي إقتصاديا له ما يبرره ، في حين يرى المركزي من جانبه إنه معني بإستدامة التمويل في ظل الظروف الحالية بسبب إنعدام الإيرادات النفطية بشكل شبه كامل و بالتالي فهو مضطر لإستخدام إحتياطاته لتمويل الترتيبات المالية فالحكومة لا إحتياطات مالية لديها و دينها العام المصرفي تجاوز 100 مليار دينار و من تمة رفع سعر الضريبة سيعزز عائداتها و يسرع في تقليص الدين العام و تخفيف العبء على الإحتياطي في حال ما تم توجيه هذه العائدات إلى إطفاء الدين العام ، و بين هذا الرأي و ذاك يبقى المواطن هو المتضرر الأول و الأخير.
و نظرا لإهمية الموضوع سيما و إنه يتعلق بعامة المواطنين و بكافة إحتياجاتهم الأساسية فإننا رأينا ضرورة الوقوف عنده و تناوله من زاوية إقتصادية و قانونية بحثة و بطريقة مهنية و حيادية و موضوعية بهدف توضيح حقيقة ما يجري و إقتراح الحلول الممكنة لهذا الخلاف .
و قبل الخوض في جوهر الخلاف يجب التوضيح و التذكير بالنقاط الأساسية التالية.
-النفط مصدر البلاد الوحيد في تمويل ميزانيتها و في توفير كافة إحتياجاتها و هذا المصدر لم يعد كذلكً، حيث بلغت خسائره منذ الإقفال في التأمن عشر من يناير الماضي حتى نهاية مارس المنصرم قرابة 4،000 مليار دولار و إنتاجه هوى إلى 79،655 ألف برميل يوميا وفق بيانات رسمية عن المؤسسة .
-تفاقم الدين العام و تراكمه مؤشر سلبي خطير يهدد الأجيال الحالية و المستقبلية و يقف عائق أمام التنمية و إعادة الإعمار حيث يشكل الدين العام المصرفي فقط قرابة 0/0210 من الناتج المحلي و مسألة إطفائه أو تقليصه و الحد منه أصبحت اليوم ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى .
-لا تملك الحكومة اليوم إحتياطيات مالية لإستخدامها في تمويل الترتيبات المالية بعد أن أستنفذتها في تمويل عجز ميزانيتي 2013 م و 2014 م و حتى خيار لوجؤها إلى الإقتراض عبر الخارج من خلال المؤسسات المالية و الأسواق الدولية أمر غير ممكن و مكلف جدا في ظل الإنقسام السياسي و ضعف مركزها المالي .
-الإحتياطي الأجنبي خط الدفاع الأخير و هو الوسيلة المتبقية في مواجهة الأزمات و الصدمات التي تعصف بالإقتصاد اليوم كما إنه الوسيلة الوحيدة لدعم الدينار و سداد الإلتزامات الخارجية و أداة يقاس من خلاله الجدارة الائتمانية للدولة في مدى قدرتها على سداد إلتزاماتها ، و هذاالإحتياطي اليوم في نزيف مستمر بعد أن فقد مصدر تمويله الوحيد النفط و لا يمكن السماح لهذا النزيف الإقتراب من الحدود الأمنية بأي شكل من الأشكال و تحت إي ظرف كان .
و لفهم أسباب و مبرارات الخلاف فإن الأمر يتطلب الخوض في تفاصيل مصادر تمويل الترتيبات المالية للعام الحالي و البالغة 38،5 مليار د.ل و التي سيمول المركزي قرابة 0/70 منها و بما قيمته 26.70640 مليار د.ل، و رغم الغموض الذي يكتنف وثيقة الترتيبات (مرفق صورة ) فضلا عن إفتقارها لأهم قواعد الميزانية العامة التي تعرف بقاعدة الشمولية أو وحدة الميزانية حيث تستوجب هذه القاعدة إدراج كافة الإيرادات و النفقات العامة في وثيقة واحدة و لم يتسنى لنا معرفة ما إذا كانت هناك توضيحات مرفقة بها، و نقصد هناء ببند إيرادات ضريبة النقد الاجنبي الدي ظهر بمبلغ 2،100 مليار د.ل و هذا الرقم ضئيل جدا قياسا بالقيمة المتوقع تحصيلها خاصة و إن القيمة الفعلية لهذ البند خلال شهري يناير و فبراير الماضيين فقط
بلغت 6،100 مليار د.ل فما السبب وراء ذلك ؟
فالسبب هناء واضح و هو الدين العام المصرفي الذي سيناهز من 130 مليار د.ل تقريبا في حال ما مول المركزي العجز بالترتيبات المالية للعام الحالي و المقدر ب 26،700 مليار د.ل فهذا الدين يتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى المركزي و ليس الحكومة لإن قانونه و كما أشرنا في مقال سابق يحظر تراكم و تفاقم الدين العام ، فهذا القانون معني بتنفيذه المركزي و مخالفة نصوص أحكامه هو من يتحمل مسؤوليتها.
و يبدو إن المركزي بداء يدرك خطورة هذا الدين المرشح لمزيد من التفاقم في ظل إنهيار الإيرادات النفطية و ذلك بعد أن تقاعست الحكومة عن سداده من خلال ضريبة النقد الأجنبي وفق الألية التي تضمنها محضر الإصلاحات الاقتصادية المؤرخ في 12/9/2018 حيث ينص هذا البند صراحة على (يخصص نسبة من من الرسم المفروض على مبيعات النقد الأجنبي لإطفاء الدين العام لدى مصرف ليبيا المركزي و صيانة المرافق و دعم الخدمات العامة كالتعليم و الصحة و المواصلات وفق قرارات تصدر عن المجلس الرئاسي تحدد أوجه الصرف في الرسم المفروض).
و لكن كما يقال الظروف اليوم ليست بظروف الأمس فالحكومة اليوم لم يعد لها مجال للمناورة بعد أن خسرت الإيرادات النفطية التي لم تتجاوز قيمتها المقدرة في الترتيبات المالية الحالية و بما فيها الإيرادات السيادية 9،693 مليار د.ل و ما عليها إلا التعاطي مع مطالب المركزي بشأن إطفاء الدين العام مقابل تمويل العجز لهذا العام من خلال الإلتزام بتنفيذ ما تضمنه محضر الإصلاحات الإقتصادية المذكور سلفا و هذا هو سر الغموض الذي أكتنف بند إيرادات ضريبة النقد الأجنبي الظاهرة بقيمة 2،100 مليار د.ل حيث تم تخصيص جزء من إيرادات الضريبة الفعلية عن شهري يناير و فبراير البالغة 6،100 مليار د.ل مبلغ 2،100 مليار د.ل لبند البرامج المشروعات التنموية في حين تم تخصيص الجزء المتبقي و البالغ 4،000 مليار د.ل لإطفاء الدين العام ما يعني تنفيذ لمحضر الإصلاحات الإقتصادية بحذافيره و على هذا الأساس ستؤول مستقبلا كافة إيرادات الضريبة لهذا الغرض أي إطفاء الدين مع الإشارة إن المركزي يستهدف أيضا من رفع السعر تقليل الطلب على الدولار بهدف الحد من إستنزاف النقدالأجنبي و التخفيف من أزمة السيولة التي يتوقع تفاقمها .
و لكن السوأل المهم هو كم حجم النقد الأجنبي الذي يعتزم المركزي إستخدامه للأغراض التجارية (الإعتمادات المستندية ) و الشخصية ؟ لإن بالتأكيد هذا الحجم سيكون مغاير تماما لسنتي 2018 م و 2019 م فالمركزي سيضطر هذا العام لفرض عدة قيود تتعلق بإقتصار الإستيراد على السلع الأساسية فقط كالغذاء و الدواء و المواد الخام و العلاج بالخارج و الوقود مع ملاحظة إن فاتورة الوقود ستشهد إنخفاض كبير نتيجة إنهيار إيرادات النفط في الأسواق العالمية كما إن القيود ستطال منظومة العشر ألاف و أرباب الأسر ، و الحكومة من جانبها ستتخد إجراءات بشأن تقليص عدد السفارات و عدد العاملين بها رغم إن هذه الإجراءات لا حديث عنها.
و ادا كانت قيمة النقد الأجنبي للأغراض التجارية و الشخصية المشمولة بالضريبة بلغت خلال عامي 2018 م و 2019 م 9،135 مليار دولار و 10،188 مليار دولار على التوالي ، فإن في هذا العام بالتأكيد ستنخفض في ظل الهبوط الكبير في إيرادات النفط و إذا ما أفترضنا إن حجم الإنخفاض في قيمة النقد الأجنبي المخصص للأغراض المذكورة لهذا العام يقدر ب 0/040 عن حجمه في تلك العامين فإن القيمة المخصصة تقدر ب 6،000 مليار دولار و بالتالي فإن عوائد الضريبة وفق للسعر الحالي 3،65 دينار للدولار و الذي يرغبه الرئاسي ستكون 13،500 مليار د.ل و بما نسبته 0:050 من قيمة العجز في الترتيبات المالية ، في حين تبلغ عوائد الضريبة وفق للسعر المسرب إعلاميا و الذي تم الإتفاق بشأنه مبدئيا بين أطراف الخلاف عند 4،53 دينار للدولار و بنسبة 0/0213 ستبلغ ما قيمته 18،780مليار د.ل تقريبا أي ما نسبته 0:070 من قيمة العجز ، مع ملاحظة إن هذا السعر سيزيد الأعباء على المواطنين لكن من ناحية أخرى سيخفف عليهم اعباء الدين العام مستقبلا و سيسهم في مساعدة المركزي في قدرته على إستدامة التمويل.
عليه و بناء على ما تقدم و بما إن آراء الطرفين و كما أشرنا لها ما يبررها فهذا يعني إن هناك أكثر من مقترح للحل .
1- المقترح الأول و هو الإبقاء على السعر الحالي و هذا السعر أقل عبء على المواطنين .
2-المقترح التاني إعتماد السعر المبدئي و هو 4،53 دينار للدولار و هذا المقترح إقتصاديا جيد لإنه سيخفف مستقبلا على المواطنين أعباء الدين العام و يدعم قدرة المركزي على إستدامة التمويل بإعتباره الملجاء الأخير .
3- المقترح الثالت و هو تأجيل الإجراء إلى ما بعد شهر رمضان أي في يونيو القادم .
و في الختام فإن الرسالة التي بجب أن تستوعبها الحكومة هي .
-حينما يقال إن الإحتياطي الأجنبي هو الوسيلة في مواجهة الأزمات هذا يعني إنه يتم دعمه و تنميته أثناء الإزدهار و ليس العكس .
-إن الشعب وحده يدفع اليوم ثمن الإصلاح الإقتصادي بعد أن أعتمدت حكومته برنامج صدرت بموجبه مجانا خلال عام و نصف فقط قرابة 30 مليار دولار واليوم هذا الشعب في أمس الحاجة إلى ثلت هذه القيمة لإنتشاله من أزماته التي تعصف به .