شهد سعر الدولار الأمريكي أمام الدينار الليبي في السوق الموازية خلال الأونة الأخيرة تذبذبات ثارة بالإرتفاع و ثارة آخرى بالإنخفاض قبل أن يتخد مؤخرا منحى تصاعديا قارب من 6 دينار للدولار و هو الأعلى له منذ عام و نصف تقريبا متاثرا و بشكل مباشر بإنهيار الإيرادات النفطية مصدر البلاد الوحيد من عملاتها الأجنبية و التي خسرت أكثر من 4 مليار دولار منذ إيقاف التصدير في التامن عشر من يناير الماضي وفق لبيانات رسمية عن مؤسسة النفط، و نتيجة لذلك اضطر معها المركزي في الخامس من مارس المنصرم لإيقاف منظومة بيع النقد الأجنبي بهدف تقليل الطلب على الدولار و محاولة الحد من إستنزافه و في سبيل ذلك أقترح من جانبه رفع الضريبة على مبيعات النقد بهدف إطفاء الدين العام و ضمان إستدامة التمويل حيث سيمول المركزي قرابة 0/070 من قيمة الترتيبات المالية للعام الحالي المقدرة ب 38،5 مليار دينار معتبرا رفع الضريبة شرط أساسي لإستئناف بيع النقد الأجنبي الأمر الذي رفضه الرئاسي معللا بإن هذا الإجراء سيؤدي إلى تفاقم معاناة المواطنين في ظل هذه الظروف ما أدى إلى تفجر الخلاف بينهما و الذي وصل إلى حد التراشق الإعلامي و تبادل الإتهامات بينهما قبل أن يتم إحتواءه و لو مؤقتا من خلال إستئناف منظومة الإعتمادات المستندية وفق السعر الحالي بإقتصارها على السلع الأساسيةًفقط حيث ألقى هذا الإجراء بضلاله على سعر الدينار الذي فقد اليوم قرابة 0/033 من قيمته بعد أن أستقر سعره في المتوسط بين 4،30 و4،10 دينار الدولار خلال العام الماضي .
و قبل الخوض في صلب الموضوع يجب الإشارة إلى شيئين فالأول هو إن عند الحديث عن إرتفاع سعر الدولار فإننا نعني و في نفس الوقت إنخفاض سعر الدينار و العكس صحيح ، و الشيئ التاني إن هناك محددات أو بالأحرى عوامل تؤثر في سعر الدينار أمام الدولار بالإنخفاض و الإرتفاع أبرزها حجم الإنفاق العام و العجز في الميزانية و حجم الدين العام و الفائض أو العجز في ميزان المدفوعات و حجم المعروض النقدي و الإحتياطيات المالية للحكومة و المركزي كذلك حجم الناتج المحلي و معدلات النمو إلى جانب حجم الصادرات و الواردات و معدلات التضخم و كذلك حجمً تدفق رؤوس الأموال الأجنبية و سعر الفائدة رغم إن هذان العاملان لم يعد لهم أي ثأثير في ظل الظروف الحالية خاصة إن العامل الأخير قد تم تجميد العمل به بموجب القانون رقم ( 1) لسنة 2013 م بشأن منع المعاملات الربوية ، كما إن هناك عوامل أخرى لها ثأثيراتها و يجب أخدها في الإعتبار كحالة الإستقرار العام و الإضطرابات السياسية و الحروب و الكوارت الطبيعية و تفشي الأوبئة .
و لمعرفة الإتجاه المتوقع أن يأخذه سعر الدولار في المستقبل القريب فإن الأمر يتطلب التعريج على إتجاهاته خلال السنوات العشر الماضية بإعتبار كل سنة لها ظروفها و خصوصيتها مع الأخد في الإعتبار العوامل المذكورة سلفا .
1- في 2010 م و ما قبلها حافظ الدينار على قيمته في السوق الموازية حيث أستقر عند 1،33 دينار للدولار و السبب في ذلك إزدهار إيرادات النفط و إنتعاش أسعاره التي بقت فوق عثبة 100 دولار للبرميل مما أنعكس إيجابيا على الإحتياطيات المالية للحكومة (الأموال المجنبة) كما إن الدين العام كان محدود و كذلك الإنفاق العام و التحويلات الخارجية لأعراض العلاج و الدراسة و السفارات بالخارج قياسا بما هو عليه اليوم أما العجر في الميزانية فلا وجود له و المعروض النقدي في نهاية هذا العام (2010) بشقيه لم يتجاوز 7،605 مليار دينار فيما يخص النقود خارج النظام المصرفي في حين بلغ حجم الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) قرابة 33،703 مليار دينار لكن الأهم من كل ذلك هو حالة الإستقرار العام و فرض السلطة أو الحكومة أنداك سيادتها على كامل أراضيها .
2- خلال العام 2011 م و رغم إن هذا العام إسثتنائي فإنتاج النفط توقف بشكل شبه كامل في ظل الأحداث الثي شهدتها البلاد فإن سعر الدولار لم يتجاوز حاجز 1،85 دينار و السبب هو العقوبات الإقتصادية و المالية التي فرضها مجلس الأمن و التي طالت حتى الإستيراد الذي تقلص على إثره و بشكل كبير الطلب على الدولار في حين أقتصر الطلب على أغراض السفر و العلاج في دول الجوار ، و الإنفاق العام معظمه في هذا العام تم على المرتبات .
3- في العام 2012 م أستعاد الدينار قيمته المعتادة و التي سجلها عند 1،33دينار للدولار و السبب هو إستئناف تصدير النفط التي بلغت إيراداته قرابة 53،181 مليار دولار إلى جانب رفع التجميد عن أصول المركزي التي قدرت حينها ب 110 مليار دولار و الذي لم يضع بدوره أي قيود على إستخدام النقد الأجنبي حيث بلغت المدفوعات الدولارية في شكل إعتمادات مستندية و حوالات قرابة 40،749 مليار دولار و بالتأكيد إنعكست هذه الإجراءات إيجابيا على معدلات التضخم رغم إن الإنفاق العام ناهز 64 مليار د.ل و المعروض النقدي بشقيه أرتفع حيث بلغ حجم النقود خارج النظام المصرفي قرابة 14،840 مليار د.ل في حين بلغ حجمه داخل النظام المصرفي(الودائع تحت الطلب) ما يقارب من 33.597 مليار د.ل.
4- في 2013م رغم إن هذا العام شهد توقف معطم إنتاج النفط في منتصفه التاني فإن الدينار أستقر و حافظ على قيمته أمام الدولار عند 1.40دينار للدولار و السبب يرجع إلى انتعاش أسعار النفط و ارتفاع معدلات إنتاجه في النصف الأول حيت بلغت الإيرادات النفطية قرابة 40،665 مليار دولار علاوة على إستخدام المركزي لجزء من إحتياطياته تقدر ب 6،233 مليار دولار لمواجهة الطلب المتزايد على السلع حيث بلغت المدفوعات الدولارية قرابة 46.358 مليار دولار و بالتأكيد انعكست هذه الإجراء حينها إيجابيا على الأسعار رغم إن الانفاق العام ناهز من 65 مليار د.ل و المعروض النقدي بشقيه بلغ 13،419 مليار د.ل خارج النظام المصرفي و 50،879 مليار د.ل بداخله .
5- في 2014 م و رغم هبوط الإيرادات النفطية إلى 15،624 مليار دولار نتيجة لإستمرار توقف معظم إنتاج النفط فإن الدينار حافظ و إلى حد ما على قيمته أمام الدولار التي سجلت مع نهاية هذا العام عند 1،55 دينار للدولار و السبب في ذلك يرجع لإستخدام المركزي لجزء كبير من إحتياطياته تقدر ب 23،328 مليار دولار حيث المدفوعات الدولارية قاربت من 38،953 مليار دولار و لذلك أنعكست هذه الإجراءات إيجابيا على الأسعار مع ملاحظة إن الإنفاق العام تقلص إلى 44 مليار د.ل و المعروض النقدي بشقيه ارتفع حيث بلغ 17،174 مليار د.ل خارج النظام المصرفي و 49,557 مليار د.ل بداخله .
6-مع بداية 2015 م بداء الدينار يفقد تدريجيا جزء من قيمته إلى أن بلغت 3،10 دينار للدولار مع نهايته و السبب هو إنهيار إلايرادات النفطية التي بلغت قرابة 7،608 مليار دولار نتيجة لتراجع ألأسعار مما أدى إلى فرض المركزي قيود على إستخدامات النقد الأجنبي رغم سحبه لمبالغ من الإحتياطي بقيمة 12،321 مليار دولار ثمتل قيمة العجز في ميزان المدفوعات و ذلك لمواجهة الطلب المتنامي على السلع التي بدأت أسعارها في الإرتفاع فإجمالي المدفوعات الدولارية بلغت 20،913 مليار دولار فقط ، و في الجانب الأخر ناهز العجز في الميزانية من 22 مليار د.ل كما أرتفع المعروض النقدي بشقيه حيث بلغ 23،007 مليار د.ل خارج النظام المصرفي و 53،775 مليار د.ل بداخله لتتفجر على اثره أزمة السيولة .
7- في 2016م تدهورت قيمة الدينار بشكل كبير حيث لامست 9 دينار للدولار مع نهاية العام و قرابة 13 دينار للدولار بموجب الصكوك و السبب في ذلك يرجع إلى إنهيار أكثر للإيرادات النفطية التي هوت إلى 4،781 مليار دولار إلى جانب تشديد المركزي للقيود على النقد الأجنبي و ذلك بهدف الحد من نزيف الإحتياطي الذي تراجع بشكل ملحوظ رغم سحبه قرابة 7،729 مليار دولار من رصيده و هذا لم يكن كافي لمواجهة الطلب المتزايد على السلع التي أرتفعت أسعارها بشكل كبير قياسا بمستوياتها في 2015 م و في الجانب الأخر بلغ العجز في الميزانية قرابة 21 مليار د.ل مما تزايد معه الدين العام و المعروض النقدي أرتفع أكثر بشقيه حيث بلغ 27,103 مليار د.ل خارج النظام المصرفي و بلغ 67،505 مليار د، ل بداخله مما تفاقمت بسببه أكثر أزمة السيولة.
8- في 2017 م أستعاد الدينار جزء بسيط من قيمته التي تراوحت في الغالب بين 8 إلى 8،5 دينار للدولار و السبب هناء يرجع إلى التعافي النسبي لإيرادات النفط نتيجة لإستئناف التصدير بنصف طاقته المعتادة و إلى سياسة تخفيض الإنتاج لدعم الأسعار التي تبنتها أوبك و روسيا ، حيث بلغت الإيرادات النفطية قرابة 13.419 مليار دولار و بالتأكيد ساهمت إجراءات ضخ الدولار في هذا العام في شكل مخصصات لأرباب الأسر بقيمة 2،400 مليار دولار في تعافي طفيف لقيمة الدينار و في الجانب الأخر تزايد أكثر المعروض النقدي بشقيه حيث بلغ 30 مليار د.ل خارج النظام المصرفي و بلغ 78،223 مليار د.ل بداخله لتبقى أزمة السيولة على حالها .
9- في العام 2018 م أستعاد الدينار جزء أخر من قيمته التي تراوحت بين 6،5 و 7،5 دينار للدولار حتى مطلع سبتمبر من العام نفسه و ذلك نتيجة للإنتعاش النسبي للإيرادات النفطية مقارنة بالسنة السابقة و التي ناهزت قيمتها من 24,549 مليار دولار إلى جانب ضخ قرابة 3،500 مليار دولار في شكل مخصصات أرباب أسر ، و لكن مع إقرار الإصلاح الإقتصادي الذي أرتكز أساسا على ضخ الدولار في أوجه و أغراض مختلفة استعاد الدينار جزء أخر من قيمته إلى أن سجل 4،30 دينار للدولار في نهاية العام و على أثر ذلك تراجعت الأسعار قياسا بما كانت عليه في 2017 م كما إن ميزان المدفوعات سجل فائض قيمته 5،413 مليار دولار و هو الأول منذ سنوات لكن من جانب أخر أرتفع المعروض النقدي بشقيه أكثر حيث بلغ 34،732 مليار د.ل خارج النظام المصرفي و بلغ 78،223 مليار د.ل
10-في 2019 م حافظ الدينار تقريبا على قيمته التي تراوحت في الغالب بين 4،10 و 4،30 دينار للدولار و السبب هو إنتعاش الإيرادات النفطية رغم انخفاضها عن العام 2018 م حيث بلغت قرابة 23،419 مليار دولار إلى جانب السياسة التوسعية التي أتبعها المركزي في ضخ الدولار تنفيذا لبرنامج الإصلاح حيث بلغت المدفوعات الدولارية قرابة 24،602 مليار دولار مسجلا بذلك عجزا في ميزان المدفوعات قدره 1،173مليار دولار مع ملاحظة ان هذه المدفوعات تضمنت مبلغ 7،000 مليار دولار كمخصصات لأرباب الأسر و بالتأكيد ساهمت هذه المخصصات حينها في صمود الدينار و في الجانب الأخر تزايد المعروض النقدي أكثر بشقيه حيث بلغت قيمته خارج النظام المصرفي 36،724 مليار د.ل في حين بلغت قيمته 68،651 مليار د.ل بداخله و رغم ضخامة المعروض سيما خارج النظام المصرفي إلا إن أزمة السيولة خلال هذا العام انخفضت حدتها و ذلك نتيجة للتوسع في بيع الدولار في إطار ما يعرف بالإصلاح الإقتصادي .
و اليوم و في ظل هذه الظروف و أخدا في الإعتبار العوامل المشار إليها سلفا فإن سعر الدولار يبدو يتجه للصعود فاليوم لا صادرات نفطية و لا أرباب أسر و الإحتياطي الأجنبي في تراجع مستمر و العجز متزايد في ميزان المدفوعات و لا تخفيض لضريبة النقد الاجنبي بل من المحتمل زياداتها و تفاقم أزمة السيولة أصبح يلوح في الأفق كما تبقى حالة عدم اليقين التي تعيشها البلاد جراء الحروب و الإنقسام السياسي سيدة الموقف مع ملاحظة إن تفشي وباء كورونا ساهم اليوم في الحد من إرتفاع الدولار و نهاية هذا الوباء تعني العكس .
و نظرا لخطورة الوضع الإقتصادي اليوم فسعر الدولار و كما هو معروف مؤشر لقياس معدلات التضخم و متوسط دخول المواطنين و مستوى معيشتهم كما إنه أداة لقياس مدى قوة إو ضعف إقتصاد البلاد من عدمه سيما و إنها مستوردة و ليس مصدرة .
عليه فإن الأمر يتتطلب ضرورة إجراء إصلاحات إقتصادية جدرية حقيقية هيكلية فالأزمة اليوم لم تعد ظرفية بل هيكلية بإمتياز و هذه الإصلاحات يجب أن ترتكز على إعتماد حل سياسي شامل ينهيئ حالة الإنسداد و الإنقسام و يرسئ الإستقرار في كافة ربوع البلاد وأي إصلاحات في ظل الوضع القائم ما هي إلا مزيدا من ضياع للوقت و إهدار لما تبقى من أموال .
و في الختام فإن الرسالة التي بجب أن تستوعبها حكوماتنا و من يعتبرون أنفسهم اليوم ساسة ليبيا هي إن الإقتصاد فن و تحقيق رغبات أكثر في ظل موارد أقل عبر الإستخدام الأمثل لها و بالتأكيد ليس الإقتصاد إجتماعات هناء و هناك و شو إعلامي للتسويق لإنجازات و إصلاحات و همية لا وجود لها إلا في مخيلة مسوقيها.