نور الدين حبارات يكتب : ما هي الإعتبارات التي استندا عليها بياني وزارة المالية و المركزي عن إيرادات و مصروفات الدولة عن الربع الأول من العام الحالي ؟؟ (قراءة تحليلية مالية )
اصدرا كل من وزارة المالية و المركزي مؤخرا بيانيهما عن إيرادات و مصروفات الدولة عن الربع الأول من العام الحالي 2020 م ، و على الرغم من تطابق البيانين إلى حد ما فإنهما تركا و طرحا العديد من التساؤلات و الإستفسارات من قبل معظم المتابعين و المهتمين بالشأن الإقتصادي و المالي جراء الغموض الذي أكتنف بنودهما
و التي ظهرت بقيم مغايرة لقيمها الفعلية و التي سبق و أن قاما بنشرها في مطلع مارس الماضي و من أهم هذه البنود ما يلي .
1- بند الإيرادات النفطية حيث طهر بمبلغ 1،900 مليار د.ل في حين إن إجمالي الإيرادات النفطية الموردة فعليا خلال الربع الأول بلغت 4،772 مليار د.ل
2- بند إيرادات رسوم بيع النقد الأجنبي حيث ظهر بمبلغ 525 مليون د.ل فقط في حين إن إجمالي الرسوم المحصلة فعلا بلغت 6،100 مليار د.ل
3- بند إجمالي الإيرادات النفطية و غير النفطية حيث ظهر بقيمة 2،270 مليار د.ل في حين بلغ أجماليها فعليا قرابة 10،660 مليار دينار
4- ظهر إجمالي المصروفات بقيمة 8.462 مليار دينار وبعجز قدره 6192 مليار د.ل في حين إنه فعليا هناك فائض قدره 2.398 مليار د.ل بإعتبار الإيرادات الفعلية بلغت10.660 مليار د.ل
5- ظهر قرض مصرف ليبيا بقيمة 6،677 مليار د.ل لتغطية العجز في حين إنه فعليا و كما أسلفنا لا يوجد عجز بل فائض .
فيا ثرى ما هي الأسباب وراء كل هذا الإختلاف و الغموض؟
و الجواب على هذا السوأل المهم يعود بنا تحديدا إلى الخلاف الذي نشب بين الطرفين (المالية و المركزي )و الذي أرتفعت حدته عبر وسائل الإعلام و وصل إلى حد تبادل الإتهامات بينهما خلال شهري يناير و فبراير الماضيين ما أدى إلى تأخر إعتماد الترتيبات المالية و من ثم تأخر المرتبات حينها لثلاثة أشهر و دلك بسبب التطورات و الأحداث المفاجئة المتعلقة بإيقاف تصدير النفط مصدر البلاد الوحيد لتمويل ميزانيتها بشكل مباشر و غير مباشر مما أربك معه خطط الحكومة التي كانت تخطط لميزانية أو ترتيبات بقيمة 55 مليار د.ل لتقع على إثر ذلك في مأزق مالي حيث لم يعد أمامها أي وسيلة أو خيار لتمويل نفقاتها عدا اللجؤ مجددا للمركزي و حتى هذا الخيار لم يعد بالهين بعد تراكم الدين العام الذي تجاوز 100 مليار د.ل وفق لتصريحات رسمية لوزير المالية ، كما إن إحتياطي المركزي لم يعد كما كان في 2013م مما اضطرت معه كافة الأطراف بما فيها الرئاسي لإعادة مراجعة و مناقشة مشروع الترتيبات المالية و إعداد تصويرها و صياغتها بطريقة تأخد في الإعتبار هبوط الإيرادات النفطية جراء الإقفالات من ناحية و الحد من الإنفاق العام و تخفيضه بالقدر الممكن من ناحية أخرى و ذلك بإعتماد ترتيبات مالية بقيمة 38،5 مليار د.ل بدلا من 55 مليار د.ل على أن يراعى بشأنها التفاهمات أو الإعتبارات التالية .
1- يخصص جزء من إيرادات الرسم على النقد الأجنبي للبرامج و المشروعات التنموية و الجزء الأخر والأكبر لإطفاء الدين العام أي تنفيذ البند الرابع من محضر الإصلاحات الإقتصادية
2- يلتزم المركزي بضمان إستدامة التمويل و ذلك بتمويل العجز المقدر بوثيقة الترتيبات المالية و البالغ 26.706400 مليار د.ل على أن يتم تسييله على أربع أقساط بمعدل 6.677 مليار د.ل كل ربع سنوي
3- تجنيب قيمة الإيرادات النفطية المحصلة عن 2019 م و البالغة 2.872 مليار د.ل مؤقتا و إستخدامها عند اللزوم لتغطية أي نقص محتمل في الإيرادات .
و على ضوء ذلك
-أظهرت الإيرادات النفطية وفق الباينين وفر قدره 400 مليون د.ل فقط بعد أن بلغت الإيرادات النفطية الفعلية 1.900 مليار د.ل حيث قدر إجماليها سنويا ب 6 مليار د.ل و بمعدل 1.500 مليار د.ل كل ربع سنوي
-ظهرت إيرادات رسوم بيع النقد الأجنبي وفق البيانين بقيمة 525 مليون د.ل فقط حيث هذه القيمة ثمتل 0/025 من قيمة أيرادات الرسوم المعتمدة خلال العام و البالغة 2.100 مليار د.ل (أنظر وثيقة الترتيبات المالية المرفقة)
-تخصيص إيرادات الرسم للربع الأول و المشار إليها سلفا و البالغة 525 مليون د.ل للبرامج و المشروعات التنموية
- تخصيص القيمة المتبقية من إيرادات الرسم على النقد الأجنبي الفعلية و البالغة 4.000 مليار د.ل لإطفاء الدين العام و بما يمكن المركزي من ضمان إستدامة التمويل مع ملاحظة لم يشيرا البيانين إلى ذلك إطلاقا في مخالفة صريحة لأهم المبادئ و الأعراف المحاسبية ألا و هو مبداء الإفصاح
-ظهر قرض مصرف ليبيا بقيمة 6.677 مليار د.ل و هذا الرقم يمثل 0/025 من قيمة إجمالي القرض الظاهر بوثيقة الترتيبات المالية و البالغ 26.706400 مليار د.ل و المخصص لتغطية العجز .
و إستنادا على ذلك و على هذا المنوال سيقوم المركزي في الربع التاني أي الحالي بتسييل القسط الثاني من القرض و المحدد قيمته ب 6.677 مليار د.ل و اذا ما هوت الإيرادات النفطية عن القيمة المقدر لها و هذا أمر متوقع في ظل إنهيار أسعار النفط عالميا فإنه سيتم إستخدام قيمة الإيرادات النفطية المحصلة عن العام 2019 م و المتبقية في حساب وزارة المالية لدى المركزي و من جهة أخرى ستؤول كافة إيرادات الرسم النقد الأجنبي التي ستحصل من منظومة الإعتمادات المستندية إلى المركزي لإطفاء الدين العام أو ضمنيا لإعادة إستخدامها في تمويل قسط القرض المتعلقة بهدا الربع ، كما سيتم تسييل الدفعة التانية من مخصصات البرامج و المشروعات و المحددة ب 525 مليون د.ل و هكذا .
عمليا و حسابيا يمكن القول خلال الربع الأول إن الحكومةمولت نفقاتها ذاتيا و المركزي لم يتحمل أي أعباء إضافية فإجمالي الإيرادات الفعلية بلغ 10.660 مليار د.ل في حين إن إجمالي النفقات بلغ 8.462 مليار د.ل أي هناك وفر قدره 2.398 مليار د.ل و لكن وفق التفاهمات أو الإعتبارات المذكورة سلفا فإن الأمر يختلف .
و في الختام يجب الإشارة الى إن الغموض الذي أكتنف البيانين كان بسبب الخروج عن أهم قواعد الميزانية العامة و هي قاعدة وحدة الميزانية أو قاعدة الشمولية و التي تقضي بضرورة أن تدرج كافة الإيرادات و النفقات العامة في وثيقة واحدة (وثيقة الميزانية) دون إجراء أي مقاصة بينهما حيث كان يفترض إظهار كامل إيرادات الرسم على النقد الأجنبي في الجانب الأيسر بوثيقة الترتيبات المالية على أن تظهر إستخدامات هده الإيرادات المخصصة لإطفاء الدين العام في جانبها الأيمن ، كما كان يتوجب على المالية و المركزي الإفصاح و توضيح كل الغموض و اللبس الذي يكتنف الدين العام من حيث حجمه و أوجه إستخداماته و أليات سداده أو إطفائه لإن المواطنين هم وحدهم دون غيرهم من سيدفع و يتحمل أعباء و تبعات هذا الدين مستقبلا و من تمة يجب أن يكونوا على علم بكل تفاصيله .
لكن يبقى السوأل الأهم هو كيف لحكومة و في ظل إنهيار مصدر إيراداتها الوحيد أصرت في يوما ما على إقرار ترتيبات مالية ب 55 مليار د.ل في حبن و في واقع الأمر غير قادرة اليوم على تمويل حتى 0/025 من ترتيبات مالية بقيمة 38.5 مليار د.ل ؟؟
أما ما يجب أن نستوعبه نحن المواطنين هو إن ما يتم إثارته و تداوله عبر وسائل الإعلام شيئ و ما يتم في الكواليس شيئ أخر