نور الدين حبارات يكتب :بيان المركزي بإيرادات و مصروفات الدولة و بإستخدمات النقد الأجنبي عن الفترة من 1/1حتى 30/4/2020 تعكس واقع إقتصاد البلاد اليوم . (قراءة تحليلية )
أصدر المركزي أمس بيانا بالإيرادات و المصروفات و بإستخدامات النقد الأجنبي و ذلك عن الفثرة من 1/1 و حتى 30/4/2020 , هذا و قد تضمن البيان أرقام و مؤشرات صادمة تعكس واقع الإقتصاد اليوم ، و رغم إن تقديرات الإيرادات النفطية بالترتيبات المالية المعتمدة قد قدرت عند حدودها الدنيا و بقيمة 6،000 مليار د.ل فقط سنويا أي بمعدل 500 مليون د.ل شهريا فإن إيرادات إبريل المنصرم لم تتجاوز 72 مليون د.ل لا غير و الأمر نفسه فيما يتعلق بالإيرادات السيادية من ضرائب و جمارك و رسوم خدمات و فوائض شركات حيت بلغت قيمتها المحصلة فعليا عن الفثرة قرابة 522 مليون د.ل أي مايمثل 0/044 من القيمة المقدرة بالترتيبات المعتمدة المقدرة 1،175 مليار د.ل و اذا ما أستمرت الأوضاع على على ما هو عليه و هذا متوقع خاصة مع التراجع الحاد في إنتاج النفط فضلا عن إنهيار أسعاره إلى جانب تلكؤ الحكومة في تحصيل الضرائب و الرسوم المقررة لها فإن الأمر ينبئ بعدم قدرتها على تحصيل حتى 0/060 من إجمالي الإيرادات السنوية المحددة بالترتيبات المالية و المقدرة ب 9.693 مليار د.ل ما يعني تنامي العجز السنوي الإجمالي المتوقع بالترتيبات و المقدر ب 26.706400 مليار د.ل إلى قرابة 30 مليار د.ل و السوأل هو من أين ستدبر الحكومة تمويل الزيادة في قيمة العجز ؟.
و لكن الأبرز و من جانب أخر العجز الذي سجله ميزان المدفوعات و الذي بلغ حسب البيان المرفق ما قيمته 1.675 مليار دولار ما يعني إستخدام جزء أخر من إلاحتياطي الأجنبي و ذلك بعد أن أظهر ميزان المدفوعات في نهاية 2019 م عجز بقيمة 1.173 مليار دولار تقريبا و هذا مؤشر خطير له تداعياته، و إذا ما وضعنا قيمة الإيرادات النفطية المحصلة عن ديسمبر 2019 م البالغة قرابة 2.080 مليار دولار جانبا و أخدا في الإعتبار قيمة الإلتزامات الخارجية التي لم تدفع حتى تاريخ صدور هذا البيان لناهزت قيمة العجز حاجز 4 مليار دولار و على هذا النحو و في ظل الظروف الراهنة قد يتخطى العجز عتبة ال 13 مليار دولار مع نهاية العام أي بما نسبته 0/050 من قيمة إلإحتياطي الأجنبي الحر المقدر ب 27 مليار دولار وفق لبيان صادر مؤخرا عن المركزي .
و في المقابل و على الرغم من محدودية الإنفاق العام من حيث الحجم قياسا بحجمه في السنوات السابقة حيث لم تتجاوز قيمته عن الفترة موضوع البيان 11.346 مليار د.ل .
و هذا بالتأكيد لا يعني إن الحكومة إنتهجت سياسات تقشفية و ترشيدية في الإنفاق بل لعدم إمتلاكها إيرادات أصلا لتتوسع في إنفاقها كعادتها دون نتيجة ، و مع كل ذلك فإن الأرقام الصادمة للإيرادات النفطية و السيادية و العجوزات في الميزانية العامة (الترتيبات المالية ) و ميزان المدفوعات في ظل الحجم الكبير من المعروض النقدي بشقيه و الذي يقارب من 110 مليار د.ل ألقت بظلالها على واقع إقتصاد البلاد اليوم و بشكل مباشر فقيمة الدينار شهدت مزيدا من الإنخفاض إلى أن سجلت 6 دينار للدولار و معدلات التضخم و أسعار الأساسية إرتفعت كثيرا مقارنة بمعدلاتها في يناير الماضي كما إن أزمة السيولة مرشحة للتفاقم مجددا فضلا عن تدهور الخدمات .
و المؤسف اليوم إن الأزمة الإقتصادية أصبحت أكثر تأزما و تعقيدا عن ما كانت عليه في 2016 م مما يتطلب معه الأمر إعتماد حلول و إصلاحات هيكلية حقيقية و جذرية تكفل تعافي الدينار و إستقراره و إنخفاض معدلات التضخم و تنويع و تنشيط الإيرادات العامة و ترشيد الإنفاق العام عبر تحفيز التنمية و الإسثتمار و تشجيع القطاع الخاص و هذه الحلول و الإصلاحات لا يمكن أن تتأتى إلا في إطار الوصول إلى حل سياسي شامل ينهيء حالة الإنقسام و الإنسداد و يرسئ إلى إستقرار و سلام في كافة ربوع البلاد و لا يجب على الحكومة الركون إلى حلول مؤقتة تلفيقية ترتكز فقط على فرص أو زيادة الرسم أو الضريبة على النقد الأجنبي و التي تفضي في نهاية المطاف إلى إستنزاف الإحتياطي و إنهيار الدينار و تأكل الدخول و تفاقم التضخم و تدهور الخدمات .
و في الختام يجب التذكير إن المركزي في بيانه هذه المرة تدارك الخطاء المتعلق بالإفصاح عن أوجه إستخدام إيرادات الرسم على النقد الأجنبي و الذي أشرنا إليه في مقال سابق ، حيث ذكر المركزي إن إيرادات الرسم على النقد الأجنبي بلغت 6.662 مليار د.ل خصص منه مبلغ 5.963 مليار د.ل لسداد الدين العام و خصص باقي القيمة البالغة 700 مليار د.ل للباب الثالث أي البرامج و المشروعاتالتنموية و دلك بما يتفق مع البند الرابع من حضر الإصلاحات ، و في هذا الصدد يجب على وزارة المالية من ايضا الإلتزام مستقبلا بمبادئ الإفصاح و الإشارة صراحة في بياناتها إلى المبلغ المخصصة لسداد أقساط الدين العام و الأرصدة المتبقية منه بحيث يكون كافة القراء و المتابعين و المهتمين بالشأن الإقتصادي و عامة المواطنين على بينة و دراية لحجم هذا الدين و أوجه إستخدامه و مصادر تمويله فهم وحدهم من سيتحمل تبعاته و أعبائه .