نور الدين حبارات يكتب لمصارف :أسباب و مبرارات عدم صمود سعر الدولار عند 3.90 دينار امام سعره في السوق الموازية و البدائل المقترحة (قراءة تحليلية من واقع أرقام رسمية)
عندما أقر الرئاسي في سبتمبر 2018 م فرض الرسم أو بالأحرى الضريبة على مبيعات النقد الأجنبي بنسبة 0/0183 و بما قيمته 2،52 دينار تضاف إلى سعر الدولار الرسمي 1،38 دينار و ذلك في إطار ما بات يعرف ببرنامج الإصلاح الإقتصادي توقع حينها الكثير من مواطنين و متابعين و مهتمين بالشأن الإقتصادي بإن هذا السعر أي 3،90 دينار للدولار سيصمد أمام سعره في السوق الموازية المزدهرة أنداك حيث سجل حينها قرابة 6.5 دينار للدولار بعد أن لامس في وقت سابق له حاجز عشرة دينار ، بل إن توقعاتهم ذهبت إلى أكثر من ذلك حيث أعتقدوا إن هذا السعر سيقضي على السوق الموازي من خلال تقليص الهوة كثير بين السعرين وصولا إلى السعر التوازني الذي قدر ما بين 2.50 إلى 2.75 دينار للدولار .
و لكن و للأسف كل ذلك لم يحدث ، و رغم إن سعر الدولار أستقر خلال العام 2019 م في الغالب ما بين 4،10 إلى 4,35 دينار للدولار و بزيادة قدرها 450، درهم عن سعره بموجب الضريبة فإن هذا السعر ما كان له أن يستقر لولا عوامل عدة ساهمت و كان لها أثر مباشر في إستقراره أبرزها .
1- إنتظام تدفق الإيرادات النفطية و إنتعاشها نسبيا خلال العام 2019 م حيث بلغت الإيرادات النفطية خلال هذا العام قرابة 22،750 مليار دولار .
2- ألفائض النقدي الذي سجله ميزان المدفوعات في 31/12/2018 م و الذي ناهز من 5،418 مليار ما أدى بدوره إلى زيادة رصيد الإحتياطي الأجنبي بعد أن سجل عجوزات متتالية خلال الأعوام 13،14،15،16 م .
و لكن و مع ذلك فإن هذان العاملان لم يكونا كافيان لصمود أو ثبات سعر الدولار عند ذلك السعر خلال تلك الفترة بل كانت هناك عوامل أو أسباب أخرى كان لها ايضا أثارها و تداعياتها أهمها ،
1- قيمة مخصصات أرباب الأسر التي صرفت على دفعتين خلال العام 2019 م بسعر 1،38 دينار و التي قاربت من 7 مليار دولار و هذا الإجراء بمتابة ضخ الدولار في السوق لدعم الدينار .
2- قرار الرئاسي رقم (214) لسنة 2019 م و الذي إلغاء بموجبه القرار رقم (1330) لسنة 2018م بشأن فرض رسوم جمركية بنسبة0/0183 على السلع الموردة بموجب إعتمادات مستندية قديمة و التي لم تصل إلى المنافد الليبية فبل صدور قرار اارئاسي بشأن فرض الرسم حيث تقدر قيمة هده البضائع وفق لمعلومات غير رسمية ب 5 مليار دولار .
2- التصريحات التي كان يطلقها بين الفينة و الأخرى النائب بالرئاسي و المكلف بالملف الإقتصادي بشأن تخفيض نسبة الرسم و الذي تم فعلاً في شهر أغسطس الماضي حيث تم تخفيض الرسم أو الضريبة إلى 0/0163 أي بسعر 3،63 دينار للدولار .
و صراحةً فإن هذه الأسباب أو العوامل ساهمت و بشكل كبير و أدت إلى عزوف و إحجام العديد من المواطنين و التجار على شراء الدولار و عدم رغبتهم في المجازفة أو المخاطرة تفاديا لأي خسائر محتملة و ما يعزز ذلك الركود الذي لحق بمنظومة بيع النقد الأجنبي للأغراض الشخصية (10000 دولار ) .
و لكن ما بجب علينا أخده في حسابتنا
و التسليم به هو إن الطلب على الدولار شأنه شأن الطلب على أي سلعة يتحدد سعره في السوق وفق لقوى الطلب و العرض و الطلب عليه يثأتر مباشرةً بحجم دخل المواطن و بحجم مدخراته و بتوقعاته و بتفضيله فيما إذا كان يرغب الإحتفاظ بالعملة الخضراء بدلا من الدينار كملاد أمن توقياً لأزمة السيولة و انهيار القوة الشرائية للدينار و هذا على صعيد الإقتصاد الجزئي حيث هدا النوع من الإقتصاد يهتم بدراسة و تحليل سلوك المستهلك فرداً كان أو شركة في ظل موارده المحدودة و البيئة المحيطة أما على صعيد الإقتصاد االكلي فحجم الإنفاق العام و المعروض النقدي و الدين العام و الناتج المحلي وكذلك العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات و الميزانية العامة و حجم الصادرات و الواردات و الإحتياطي الأجنبي و معدلات التضخم فجميع هذه المؤشرات ثؤتر في الطلب على الدولار و على سعره و بالتأكيد سلبية هذه المؤشرات كانت سبب مباشر في عدم صموده عند 3،90 دينار أمام سعره في السوق الموازي قبل أن يتهاوى لاحقا مند مطلع فبراير الماضي ليستقر اليوم ما بين 6 إلى 6،15 دينار و ذلك بسبب توقف إنتاج النفط و إنهيار أسعاره في السوق العالمية .
-فإذا كان الإنفاق العام قد بلغ 42،500 مليار دينار خلال 2018 م فإنه تاهز 46،500 مليار دينار خلال 2019 م و زيادة الإنفاق العام في كافة أبوابه المختلفة ما هو إلا زيادة في دخول المواطنين كانوا عاملين لدى الدولة أو عاملين لحساب أنفسهم فهذه الزيادة ستؤدي حتما إلى زيادة الإستهلاك الذي سيؤدي بدوره لزيادة الطلب على السلع و إرتفاع أسعارها و ما من سبيل لمواجهة ذلك إلا بزيادة المعروض من السلع عبر الإستيراد أي ما يعني زيادة في الطلب على الدولار .
-كما إن المعروض النقدي بشقيه قاربت قيمته خلال عامي 2018 و 2019 م من 109 مليار دينار و هذه القيمة كانت كافية لإمتصاص أو إلتهام كامل الإيرادات النفطية خلال العام 2019 م البالغة 22،750 مليار دولار و اليوم قيمة هذا المعروض قادرة على إمتصاص كامل رصيد الإحتياطي الأجنبي الحر الذي يقدر ب 27 مليار دولار وفق لبيان عن المركزي .
كما إن العجز في الميزانية العامة تزايد فإذا كانت قيمته قاربت من 5 مليار دينار في 2018 م فإنه في 2019 م سجل أكثر من 10 مليار دينار مولا من إيرادات الرسم على النقد الأجنبي و هده في حد ذاتها مشكلة حيث كان يفترض إستخدام هذه الإيرادات في إطفاء الدين العام ، في حين سجل ميزان المدفوعات في نهاية 2019 م عجز قدره 1،170 مليار دولار و هذا يعني إن الطلب على النقد الأجنبي يفوق المعروض منه الذي مصدره الإيرادات النفطية و التي أنهارت بشكل كبير بعد أن خسرت البوم أكثر من 5 مليار دولار وفق لبيان صادر عن مؤسسة النفط .
عليه و بناءً على ما تقدم و إستنادا ً لهذه القراءة فإن الخيارات أمام الحكومة لمعالجة أزمةً سعر الصرف تبدو شبه معدومة و أكثر تعقيدا فجميع أدوات السياسات المالية و النقدية و التجارية شبه معطلة بالكامل و إقتراح المركزي لرفع نسبة الضريبة ما هو إلا حل مؤقت لا أكثر .
و بما إن سعر الدولار أمام الدينار هو أداة و معيار لقياس متوسط دخول المواطنين و مستوى معيشتهم و إرتفاعه يعني تفاقم لمعاناتهم جراء إرتفاع الأسعار و تأكل قدراتهم الشرائية و إستنزاف مدخراتهم و شح السيولة التي بدأت أعراضها في الظهور ، و من تمة فإن معالجة هده الأزمة جذريا أصبح ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى و هذا لا يتأتى إلا من خلال الإسراع في إعتماد حل سياسي شامل ينهئ حالة الإنسداد و يرسئ الإستقرار في كافة ربوع البلاد و يفضي إلى توحيد المؤسسات و إستئناف تصدير النفط و تفعيل كافة أدوات السياسة الإقتصادية .
و في الختام فإن الرسالة التي بجب أن يستوعبها الرئاسي و حكومته هي إن لا يمكن معالجة أزمةً سعر الصرف عبر فرض ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي يدفعها بشكل غير مباشر كافة المواطنين دون إسثتناء في بلد غير منتج و غير مصدر و يستورد كافة إحتياجاته تقريبا من الخارج و دون أن يرافق هذه الضريبة حزمة من الإجراءات و التدابير الإقتصادية ،