نورالدين حبارات يكتب : الأسباب و المبررات الحقيقية وراء عدم التزام الحكًومات السابقة و المتعاقبة بالقرارات الصادرة عنها إزاء المواطنين . ( قراءة تحليلية من واقع بيانات رسمية )
تزايد هذه الأيام الحديث من قبل غالبية المواطنين حول عدم إلتزام الحكومات السابقة و المتعاقبة منذ 2013 م بقراراتها الصادرة عنها و التي تمس مباشرةً المواطنين خاصةً التي تنمحهم حقوق مالية و ذلك بالتزامن مع مقترح الحكومة لرفع الدعم عن الًوقود و إستبداله بمنحة الأبناء و الزوجة و منح الطلبة حيث أثار هده المقترح ردود أفعال واسعة في الشارع بين مؤيد و معارض و متحفظ إلى أن تولد لدى معظمهم توجسات و مخاوف من عدم الترام الحكومة بصرف المقابل النقدي للدعم في حال ما تم رفعه و ذلك بالنظر إلى تجاربها السابقة و سجلها السيء في هذا الشأن .
و قبل الخوض في هذا الموضوع يجب التأكيد على إن عملية إتخاد القرارات ما هي إلا ترجمة و تحويل الخطط و السياسات و الأهداف إلى أعمال فعلية على الأرض و إتخاد قرار في مسألة معينة هو في حد ذاثه إختيار بديل من بدائل عدة فمثلاً إتخاد قرار برفع الدعم عن الوقو هو خيار من خيارات أخرى إما إبقاء الدعم أو إستبداله أو تخفيضه جزئياً .
و عليه فجميع حكومات العالم تقريباً عندما تقدم على انخاد قراراتها فإنها توليها أهمية قصوى حيث تخضع هذه القرارات مسبقاً لدراسة مستفيضة و معمقة و موسعة بالتحليل و المقارنة و الإستنتاج و ليس هذا فقط بل تحدد الأسباب و المبررات الداعية لإتخاد تلك القرارات من عدمها على أن تحدد أيضاً تكلفتها المالية و مصادر تمويلها و أثر ذلك على الميزانية العامة مع ضرورة ضمان إستدامتها و تأخد في إعتباراتها كافة السيناريوهات المُحتملة بما فيها الصدمات و الأزمات المالية التي قد تعصف بالإقتصاد بين الحين و الأخر كما تحرص كل الحرص على الإلتزام بتنفيذ تلك القرارات لإنها تدرك مسبقاً إنها حقوق مكتسبة و لا مجال أمامها للمراوغة فذلك يضعها في مواجهة القضاء و غضب الشارع التي تستمد منه شرعيتها .
أما في ليبيا التي حلم و طمح شعبها في يوماً ما بالديمقراطية و إقامة دولة القانون و المؤسسات فإن حكوماتها و برلماناتها تتخد قراراتها بطريقة غريبة لا مثيل و لا سابق لها فالهدف من القرارات دائماً سياسي بالدرجة الأًولى أي الإستمرار و البقاء أكثر وقت ممكن في المنصب أما أسبابها و مبرراتها فهي إسكات الشارع و صرف نظره عن فشلها و شرعية وجودها في حين تبقى مبررات عدم إلتزامها بتنفيذ تلك القرارات هو عسرها و إفلاسها المالي و الشواهد و الأمثلة على ذلك كثيرة لعل أبرزها .
1- في 20 أكتوبر 2013 م و في ظل تصاعد التجاذبات و الصراعات السياسية و بعد الإنخفاض الكبير في الإيرادات النفطية منذ توقف الإنتاج و التصدير في مطلع يوليو من العام نفسه و رغم علم الحكومة مسبقاً بسوء أوضاعها المالية أصدر المؤتمر الوطني القانون رقم (27) لسنة 2013 م بشأن منحة الأبناء و الزوجة و التي حددت بقيمة 100 دينار شهرياً حيث قدرت تكلفة المنحة سنوياً بقيمة 2.800 مليار دينار و تبلغ قيمتها المتراكمة و المستحقة لها اليوم قرابة 20 مليار دينار .
2- بعد أسبوع فقط من صدور القانون المذكور أي بتاريخ 27 أكتوبر أصدرت حكومة زيدان القرار رقم 641 لسنة 2013 م بشأن زيادة مرتبات العاملين في الوحدات الإدارية الممولة من الميزانية بما نسبتها 0/020 رغم علمها المسبق بعدم توفر الموارد المالية اللازمة لذلك حيث تقدر تكلفة الزيادة سنوياً أنداك ب 4 مليار دينار أما اليوم فقيمتها قرابة 6 مليار دينار بما فيها مرتبات العاملين التابعين للحكومة في شرق البلاد في حين تقدر اليوم القيمة المستحقة و المتراكمة لهذه الزيادة ب 30 مليار ديار .
3- في صيف 2014 م و مع تزايد حدة و وتيرة الصراعات و الإنقسام السياسي و ذلك عقب إنتخابات 2014 م تم صرف قرابة 6 أشهر من قيمة منحة الأبناء عن سنة 2013 م و ذلك خصماً من رصيد الأموال المجنبة المخصصة أصلاً للأجيال القادمة و للحالات الإسثتنائية ما بعني إفلاسها .
4- بموجب قانون الميزانية رقم (9) لسنة 2015 م آقر رفع الدعم السلعي و دعم الوقود و صرف بدله مقابل نقدي قدره 50 دينار شهرياً و رغم عدم قيامها بسداد إلتزاماتها المقررة في الفقرات المذكورة أعلاه قامت حكومة الإنقاد برفع الدعم عن مادة الدقيق و لم تصرف المقابل النقدي له إلى يومنا هدا و لم تحدد قيمته المستحقة .
5- خلال سنوات 13،14،15،16،17، صدرت قرارات تعيين لقرابة 400 ألف موظف آقر وزير المالية صراحةً ب 300 ألف في حين العدد الفعلي يفوق ذلك بكثير منهم من باشر أعماله و إلى يومنا هذا لم تصرف مرتباتهم رغم إنها حقوق مكتسبة لهم و مكفولة بموجب القانون .
6- في 2018 م و مع إقرار ما يسمى ببرنامج الإصلاح الإقتصادي فرض الرئاسي ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي ليصبح سعر الدولار رسمياً 3.90 دينار للدولار من 1.40 دينار للدولار و تعهدت حينها حكومة الوفاق بإعادةً سعر الصرف إلى السعر التوازني عند 2،5 أو 2،75 دينار للدولار و اليوم هذه التعهدات تبخرت و الحديث عنها أصبح جزء من الماضي كما و عدتهم ببيعهم 1000 دولار سنوياً بالسعر الرسمي في شكل منح أرباب أسر و اليوم القيمة المتراكمة و المستحقة تناهز من 11 مليار دولار .
و الحقيقةً القرارات آلتي إتخدتها الحكومة و التعهدات التي قطعتها في هذا الشأن كثيرة لا حصر لهاً و لا يسعنا المجال لذكرها لكن تبقى منح الطلبة و الحوافظ الإسثتمارية للمواطنين و رفع الحد الأدنى للمعاشات المتقاعدين و مرتبات العاملين بالشركات المتعثرة و المتوقفة منذ سنوات و التي تعهدت لهم بصرفها دليل إضافي شاهد على دوفع و مبررات قراراتها و سياساتها الفاشلة .
و في الختام يجب علينا نحن المواطنين جميعاً أن يكون تقييمنا و نظرتنا مستقبلاً للمقترحات و القرارات التي تصدرها الحكومة من خلال التحليل و المقارنة و الإستنتاج بالأرقام لا بالكلام العام و من واقع تجاربها السابقة و لا يجب علينا الإلتفات و الإستماع إلى الكلام و الترهات التي لا تستند إلى المنطق و الدليل و التي يسوقها البعض عبر وسائل الإعلام .