تناقلت الاخبار أن الجهات الليبية أصدرت أخيرا تكليفا لمكتب مراجعة وتدقيق حسابات دولي لمراجعة حسابات مصرف ليبيا المركزي في طرابلس والبيضاء استجابة لطلب أممي للتحقق من شبهات في عمليات الانفاق. الكثير من النخب الليبية المتناقضة أعربت عن ارتياحها لمثل هذا الفعل متصورة بأنها سيقدم لها الدليل الدامغ على إذناب ذاك الطرف أو الآخر.
لن أتناول الشكوك هنا ولا سلامة الإجراءات التي تعطلت لأكثر من سنة حتى تم تمريرها تحت ضغط دولي.
يبدو أن أحد أسباب التعطيل كان الإصرار على أن تقوم الدولة الليبية بدفع التكاليف بالرغم من كل الموانع القانونية التي تمنع تكليف شركة اجنبية لمثل هذا العمل.
أستغرب مثلا تقصير دولة مثل الولايات المتحدة التي قال مسئوليها أنهم دفعوا 715 مليون دولار في سبيل استقرار ليبيا بعد سنة 2011 لدفع مبلغ صغير لا يتجاوز 5 مليون دولار في مهمة جسيمة تتعلق بالاستقرار في ليبيا.
صحيح أنه لا ينبغي أن يتم الدفع مباشرة من الولايات المتحدة لشركة ديوليت، ولكن كان بالإمكان أن تتطوع الولايات المتحدة بالمبلغ مثلا لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا لتقوم بتغطية الالتزام المالي.
من خلال عملي فأنني على أتصال دائم مع هذه الشركات الكبيرة في مجالات التدقيق والاستشارات والحسابات المالية في مشاريع متعددة.
دعوني أفاجئكم ومن خلال التجربة العملية هذه الشركات أبعد ما يمكن عن وصف الحيادية، للأسف.
هي جزء من آليات السوق الشكلية التي تغطي ولا تفصح، تبرر ولا تلوم، تكسب ولا تخسر.
ببساطة لو قامت أي شركة من هؤلاء بفضح زبون لها بسبب عارض نزاهة جنوني، فسيقوم جميع الزبائن الآخرين بسحب أعمالهم منها في اليوم التالي.
إذا فأن الافتراض أن هذه الشركة ستقوم بفضح معلومة عن خطأ ما في رأيي هو ضرب من الجنون، باستثناء وحيد هو الضغط من ممول المشروع في اتجاه معين.
حقيقة هذه سابقة دولية ولكي أكون صريحا أنظر إليها بكثير من عدم الثقة.
فهناك العديد من المؤشرات التي تثير القلق. بداية من عملية التأخير ذاتها والتي تفقد عنصر المفاجأة وتتيح لأي كان ترتيب مستنداته بصورة تتسق مع المنطق.
وكذلك الضغط الذي مورس قبل قبول العطاء وكأنه يود يظهر مركز القوى التي سيكون على الشركة اجتيازها اما في استكمال الدفع في هذا المشروع أو في المشاريع القادمة.
ولكن في نفس الوقت يجب أن أشير إلى أن دهاء المحاسبين الانجليز سيكون ميزة كبيرة في هذا الخصوص. حيث حتى لو تم الضغط عليهم لإخفاء بعض المعلومات ألا أن أولئك "الشياطين" كالعادة سيقومون بدفن الشفرات التي سيتم اكتشافها مع الزمن، كأي وثيقة انجليزية تم صياغتها في عالم السياسة او الاقتصاد.