مما لا شك فيه أن مشكلة الوظيفة العامة في ليبيا تعد أم مشكلات المالية العامة، وأهم أركان الإصلاحات الإقتصادية المفترض إقرارها، ذلك أن نسبة العاملين في القطاع الحكومي قد وصلت إلى حوالي 80% وهي في تنامي مستمر، فضلاً عن أن نسبة مساهمة القوى العاملة في الناتج المحلي الإجمالي متدنية جداً، وساعات العمل الفعلية لا تمثل الا نسبة ضئيلة من الساعات مدفوعة الاجر، ومقدار التفاوت كبير وغير منطقي في توزيع الأجور، ناهيك على عدم مراعاة القدرة والكفاءة عند التعيين.
حيث بلغ عدد الموظفين في القطاع العام حوالي 1,8 مليون موظف، بما يعادل حوالي 30% من اجمالى السكان، وحوالي 60٪ من الميزانية العامة، بقيمة تقدر ب 30 مليار دينار تقريباً.
بيد أن هذه الفاتورة العالية لمرتبات القطاع الحكومي يقابلها نسبة متدنية جداً في المرتب الفردي، وقد تكون الأدنى في العالم من حيث قيمة الأجر التي تبدأ من مبلغ يعادل حوالي مائة دولار أمريكي، وفق السعر الرسمي للنقد الأجنبي مضاف إليه رسوم البيع.
هذه المعضلة التي تسببت بها سياسات التوظيف التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة، يجب أن لا يتحمل وزرها الموظف الفعلي، ويجب أن لا تكون نقطة البداية لإصلاحات الوظيفة العامة، وذلك لأسباب جوهرية ومنطقية، أهمها أن من تسبب في هذه الحالة هي الحكومة نفسها، وأن القانون أن ألزم جهة العمل أن تدفع للعامل مقابل عمله، أجراً يكفل له كحد أدنى إشباع حاجاته الأساسية.
فعلى الحكومة أن تسرع في إتخاذ ما يلزم لإصلاح الوظيفة العامة، كتسريح الموظفين غير الفعليين، وتقليل نفقاتها، ومعالجة سعر الصرف، وصرف منحة الزوجة والأبناء، ومنحة طلاب الجامعات والمعاهد العليا، وغيرها من الإجراءات والتدابير بعيداً عن إثقال كاهل الموظف المنتج، وبما يتناسب مع الرسوم المفروضة على بيع النقد الأجنبي، لتضمن له حياة كريمة وتحقق أهدافها في رفع الناتج المحلي وتقليص البطالة وغيرها.
لكل ذلك وتأسيساً على إختصاص الحكومة بإصدار جدول مرتبات كافة العاملين بالوزارات والمصالح والمؤسسات الممولة من الخزانة العامة، والخاضعة لقانون الخدمة المدنية، وفق نص المادة 152 من اللائحة التنفيذية لقانون العمل، اضحى حرياً بها أن ترفع المرتبات إلى الحد المنصف والعادل، وأن تسدد إلتزاماتها السابقة قبل قرار إيقاف الزيارات، وبالتوازي تباشر في إصلاح الوظيفة وتقليص الموظفين ونفقاتها عموماً، وتخلق تجانساً ما بين مرتبات الوظيفة العامة ليس فقط للجهات التابعة للحكومة، وإنما ايضاً للجهات التابعة للسلطة التشريعية التي ثار جدل قانوني بشأن جهة الإختصاص بتعديلها (الحكومة أو البرلمان)، وأداة التعديل (قرار أم قانون).