نور الدين حبارات يكتب لمصارف:( الإنخفاض المستمر في رصيد الإحتياطي الأجنبي يقف عائق مباشر أمام مخصصات أرباب الأسر )( قراءة تحليلية من واقع بيانات رسمية )
أقر المركزي مع مطلع العام 2017 م و بالتنسيق مع المجلس الرئاسي و حكومته و بالتزامن مع إستئناف إنتاج و تصدير النفط برنامج لبيع النقد الأجنبي مباشرةًً للمواطنين و بمعدل 400 دولار لكل مواطن و بالسعرالرسمي في إطار ما بات يعرف بمخصصات أرباب الأسر و ذلك بهدف التخفيف من معاناة المواطنين التي تفاقمت حينها و لازالت جراء الإرتفاع الكبير في الأسعار و شُح السيولة و تدهور الدينار ، حيث قدرت تكلفة هذا البرنامج الإجمالية ب 2.800 مليار دولار و ذلك إستناداً على إيرادات نفطية متوقعة خلال العام المذكور قدرت بقيمة 21.700 مليار دينار أي ما يعادل 15.500 مليار دولار .
و مع إن إنتاج النفط خلال العام 2017 م في المتوسط لم بتجاوز لمنتصف مستوياته التي سجلها قبل توقفه قي مطلع يوليو 2013 م ، فإن إتفاق مجموعة الأوبك و روسيا لخفض الإنتاج و تعزيزالأسعار الموقع في ديسمبر 2016 م و الذي إسثتنىيت ليبيا منه يبدو إنه ساهم و ساعد الحكومة في تحقيقها لقرابة 0/090 من الإيرادات النفطية المستهدفة بالميزانية ، حيث بلغت الإيرادات المحققة ما قيمته 19.200 مليار دينار أي ما يعادل 13.982 مليار دولار ، كما إن إنخفاض حجم الإنفاق العام على الجانب الأخر و الذي لم يتجاوز حاجز 33.000 مليار دينار تقريباً و بما نسبته 0/048 من حجمه في 2013م الذي لامس أنداك حاجز 64 مليار دينار ساهم و بشكل غير مباشر في إختفاء العجز في ميزان المدفوعات لهذا العام ( 2017 ) رغم تنفيذ برنامج ارباب الأسر و ذلك بعد أن سجل هذا الميزان عجزاً تراكمياً ناهز من 50 مليار دولار على مدار السنوات 2013 ,2014 ,2015 ,2016 ( مرفق صورة ) تفاصيله على التوالي 6.233 مليار دولار ، 23.328 مليار دولار ، 13.32 مليار دولار ، 7.767 مليار دولار .
و على الرغم من تحفظي إقتصادياً على البرنامج المذكور من حيث المبداء فإنه و مع ذلك قد أَجِد له ما يبرره بإعتبار تم آقراره بعد توقيع أطراف الصراع لإتفاق سياسي لتقاسم السلطة بعد فترة شهدت فيها البلاد حروب و صراعات و تجاذبات سياسية ألقت سلباً بظلالها على الوضع الإقتصادي و الخدماتي و من تمة كان لزاماً أن يمنح الرئاسي و حكومته و المركزي متنفس و فسحة من الوقت لدراسة أسباب و مبرارات تدهور الأوضاع الإقتصادية و المالية و إقرار إصلاحات إقتصادية حقيقية لمعالجة الإختلالات و التشوهات بالميزانية العامة و ميزان المدفوعات و بالإقتصاد ككل.
في العام 2018 م و مع الإزدهار النسبي لأسعار النقط التي تجاوزت في أواخره حاجز 80 دولار للبرميل نتيجة تعافي الإقتصاد العالمي بسبب زيادة الطلب و العقوبات الأمريكية على إيران و فنزويلا العضويين البارزين بالأوبك فضلاً عن زيادة الإنتاج المحلي عن مستوياته في 2017 م فإن إيرادات النفط لهذا العام ناهزت ما قيمته 33.500 مليار دينار أي ما يعادل 24.000 مليار دولار تقريباً ما سمح ذلك بإيتئناف البرنامج و رفع قيمة المخصصات إلى 500 دولار للفرد و بقيمة إجمالية تقارب من 3.723 مليار دولار ، و بالتأكيد ساهم هذا الإزدهار في تحقيق فائض نقدي في ميزان المدفوعات بقيمة 5.418 مليار دولار مع نهاية العام و هو الاول له منذ ست سنوات بل هذا الفائض الذي كان متوقع شجع و سرع حينها في إقرار ما يسمى ببرنامج الإصلاح الإقتصادي في سبتمبر 2018 م المكون نظريا من رزنامة متكاملة من الإصلاحات على كافة المسارات لعل أبرزها تخفيض قيمة الدينار إلى 3.9 دينار للدولار بعد فرض رسم او ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي بما نسبته 0/0183 للأغراض الشخصية و التجارية إلى جانب رفع الدعم في مقابل صرف علاوة الأبناء و إقرار صرف دفعة أخرى من أرباب الأسر لهذا العام ( 2018 ) ، غير أن عملياً و مع مرور الوقت أتضح إن البرنامج المذكور مجرد ضريبة فقط دفعها المواطنين بشكل غير مباش و حصلتها المصارف و لم تتخد الحكومة و على مدار عام و أربعة أشهر من عمر هذا البرنامج و قبل إنهياره رسمياً في مطلع العام الحالي مع توقف النفط لم تتخد أي أجراءات على مسار الميزانية العامة فالإنفاق العام في 2019 تزايد عن معدلاته في 2018 م من 42.500 مليار دينار إلى 45،800 مليار كذلك العجز في الميزانية تزايد من 4.900 مليار دينار إلى 11.900 مليار دينار و الإيرادات السيادية لم تتجاوز حتى 0/055 من مستهدفاتها و الدين العام المصرفي تفاقم بل عوائد الضريبة او الرسم تحولت و للأسف وسيلة لتمويل العجز و للتوسع في الإنفاق الإستهلاكي و ليس لإطفاء هذا الدين دون أن تدرك الحكومة خطورة و تداعيات ذلك على الإقتصاد ، و في المقابل عجز المركزي من جانبه في إتخاد أي إجراء على مسار السياسة النقدية التي يبدو معطلة إزاء هذا البرنامج الذي بداء يتهاوى في نهاية 2019 م فالعجز في ميزان المدفوعات عاد مجدداً و الإحتياطي الأجنبي تراجع بعد أن تجاوزت المدفوعات الخارجية قيمة الإيرادات النفطية الدولارية مسجلة .24.000 مليار دولار منها 7.000 مليار دولار مخصصات لأرباب الأسر كما لم يضع المركزي أي قيود للحد من استخدامات النقد الأجنبي بل يبدو إنه لم يأخد في حسبانه إنهيار الإيرادات النفطية ليس بسبب توقف التصدير فحسب بل بسبب تهاوي الأسعار و مغبة إنزلاق الإقتصاد العالمي في دائرة الركود ، كما إن المعروض النقدي تزايد أو على الأقل بقى عند مستوياته في نهاية 2018 م و أزمة السيولة تفاقمت حدتها بعد أن خفت نسبياً ، في حين السوق الموازية ازدهرت و حجم تداولتها فاق حجم الناتج المحلي للبلاد و السعر التوازني أو الموحد أصبح مطلب صعب المنال إن لم نقل مستحيل .
و اليوم و نحن في 2020 م نرى أَن الوضع الإقتصادي يتأزم أكثر فالإيرادات النفطية لم تتعدى حصيلتها حتى سبتمبر المنصرم 2.388 مليار دينار أي ما يعادل 1.705 مليار دولار و الإيرادات السيادية سجلت 1.425 دينار فقط أما العجز في الميزانية العامة( الترتيبات المالية ) يقارب من 22 مليار دينار و قد يصل إلى 000 .30 مليار دينار مع نهاية العام في حين العجز في ميزان المدفوعات يقارب من 7.000 مليار دولار و قد يناهز 10.000 مليار دولار .
و بما أن صرف مخصصات أرباب الأسر يخضع لعوامل محددة أبرزها حصيلة الأيرادات النقطية الدولارية و حجم الإحتياطي الأجنبي و الفائض في ميزان المدفوعات ،و حيث إن جميع هذا العوامل اليوم في تراجع واضح فياساً بما كانت عليه في 2017 ،2018 ،2019 م فإن إستئناف صرفها يبدو مسالة غاية في التعقيد خاصةً في ظل حالة عدم اليقين التي تغيم على المشهد السياسي و التي لا بستطيع أحد التنبوء بنهايتها،.
و حسابياً الفرضية التالية تعزز هذا الإعتقاد .
- رصيد الإحتياطي الأجنبي الحر أي المتاح قدر وفق وفقاً لبيانات عن المركزي في بداية العام الحالي ب 27.000 مليار دولار .
- يطرح منه قيمة العجز في ميزان المدفوعات و المتوقع أن يناهز 10.000 مليار دولار .
- و اذا ما أفترضنا تم صرف دفعة من مخصصات ارباب الأسر بقيمة 3.500 مليار دولار خلال هذا العام فأن قيمة رصيد الإحتياطي المتبقي يقدر ب 13.500 مليار دولار .
- و هذا الرقم قريب جداً من المناطق الخطرة إن لم يكن في نطاقها و بما إننا على بعد شهرين و نصف فقط من السنة المالية 2021 م فإن هذا يعني إن الحكومة ملزمة بتدبير ميزانية بقيمة 40 مليار دينار على الأقل لصرف المرتبات و فانورة الدعم و غيرها من المصروفات الضرورية .
- و السؤال هو كيف و من أين يمكن للحكومة تدبير هذه الميزانية في حال ما إستمر توقف تصدير النفط أو تجميد إيراداته و عدم توصل أطراف الصراع إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة ؟؟؟؟؟؟؟