بعد فنزويلا ، تعتبرليبيا ثاني أرخص دولة من حيث أسعار البنزين ، حيث يباع بمعدل 0.11 دولار للتر الواحد, كما يمثل دعم الطاقة الجزء الأكبر من مخصصات الدعم في ليبيا, هذا التوزيع الغير فعال لموارد الدولة يلقي بثقله على ميزانية الحكومة ويؤدي إلى نتائج سلبية كتفاقم مشكلة عدم المساواة في المجتمع والتأثير السلبي للاستخدام المفرط للطاقة على البيئة. لذلك يجب على الحكومة الليبية استبدال هذا الدعم باستثمارات يكون لها مردود وعائد نقدي واجتماعي اكبر.
ولكن ماهي تداعيات دعم الطاقة في ليبيا ؟
أولاً: يمثل الإنفاق على الدعم نسبة عالية من الإيرادات الحكومية, ففي عام 2017 بلغ الإنفاق على الدعم أكثر من 4.2 مليار دينار. وهذا يشكل عبئًا ماليًا هائلاً، حيث يمثل 14٪ من إجمالي إنفاق البلاد البالغ 32 مليار دينار.
ثانيًا: الصرف على الدعم يزاحم وياتي على حساب الإنفاق على قنوات ومشاريع اكثر فائدة, على سبيل المثال في عام 2017 تجاوز الإنفاق على الدعم الإنفاق على مشاريع التنمية بحوالي(2 مليار دينار ليبي).
ثالثًا: تعتبر سياسة الدعم بصورة عامة سياسة تراجعية (بمعني يستفيد منها اصحاب الدخل العالي اكثر من اصحاب الدخل المحدود) حيث وجدت دراسة أجرتها مجموعة البنك الدولي في عام 2015 بشأن ليبيا تفيد بان الفرد في التصنيف الأعلى من الدخل يستفيد من الإعانات المالية للكهرباء والبنزين بمقدار 3.5 مرة أكثر من الفرد في التصنيف الأدنى من الدخل. بمفهوم ان الأغنياء هم من يستطيع تحمل تكاليف السلع المستهلكة للطاقة ، مثل السيارات وأجهزة تكييف الهواء وغيرها.
أخيرًا, يعمل التهريب على إطالة أمد الحرب الأهلية حيث تمول الميليشيات أنشطتها من خلال تهريب الوقود المدعوم إلى الأسواق المجاورة غير المدعومة مستغلة فارق السعر.
كذلك تضع سياسة الدعم عبئًا لا داعي له في ميزانية الدولة الليبية مما يجعل الحكومة الليبية تمول بشكل غير مباشر استمرار حدة الصراع القائم .
كل ما سلف ذكره يعتبر سببا يساهم مباشرة في تشوه الاقتصاد الليبي .
غير أن رفع الدعم قد يؤدي الى عواقب اقتصادية واجتماعية في المجتمع الليبي, فمثلا زيادة اسعار المنتجات والخدمات قد يؤثر على دخل المواطن ونمط حياته الاقتصادية. ايضا, قد يواجه رفع الدعم غضب شعبي واسع لكونه سياسة تقشفية مرفوضة.
وعند اخذ كل هذه الامور بعين الاعتبار, انصح باستخدام التوصيات الاتية لضمان الاستفادة من رفع الدعم وكذلك تجنب الاضطرابات الاجتماعية المتوقع حدوثها
اولا, تقييم تأثير رفع الدعم وتقديم برامج لتخفيف الاثار الناتج عنه
تحتاج الحكومة الليبية إلى إجراء دراسات على مستوى الفقر في ليبيا ومدى تاثير رفع الدعم على زيادة نسبة الفقر. فرفع الدعم سينتج مستفيدين وخاسرين على المدى القصير, ومن خلال المساهمة مؤقتًا في رفع مستوى الفقر ستحتاج الحكومة الليبية إلى سياسات دعم اجتماعي لتحديد وتعويض المتضررين من هذا الرفع و احدى الطرق الجيدة لتعويض المتضررين هي إدخال برامج تضامن اجتماعي كالدعم النقدي وغيرها. كذلك يمكن اقحام برامج الضمان والتضامن الاجتماعي المتاحة حاليا ودراسة امكانية توسيعها أو زيادة القيمة النقدية.
ثانيا, إطلاق حملة توعوية فعالة
الشفافية والتواصل المستمر بين الحكومة والمواطن هو امر غاية في الاهمية لنجاح سياسة رفع الدعم. فالقلق من حدوث غضب شعبي هو اكثر المخاوف و العراقيل امام رفع الدعم, لذلك وضع خطة تواصل وتوعية وشفافية بين الحكومة والمواطن سيحد كثيرا من هذه الاثار السلبية التي قد تحدث. كذلك حملات التوعية يجب ان تركز على ضمان معرفة المجتمع للاضرار الحقيقية من سياسة دعم الوقود كنشر دراسات واحصائيات على تأثيره السلبي على الدولة و المواطن كذلك .فالحملة يجب ان تنشر الخطوات الفعلية لتعويض المتضررين بوضوح شديد وشفافية مطلقة. فالخطأ الذي يجب تجنبه كليا هو رفع الدعم قبل وضع اليات التعويض و نشر الوعي والارشاد بين المواطنين.
ثالثا: التدرج في رفع الدعم وتجنب سياسة الصدمات
على الحكومة الليبية رفع سعر الطاقة بشكل تدريجي لتجنب التضخم (الزيادة في الاسعار) المرتفع غير المتوقع والذي يصعب تحمله. ووفقا لدراسات صندوق النقد الدولي , هناك صلة بين وتيرة وسرعة رفع الدعم وحجم التضخم. فعلى سبيل المثال، مقارنة إلغاء الدعم على مدى عام واحد سوف يساهم في ارتفاع معدل التضخم بنفس القدر بإلغاء الدعم على مدى خمس سنوات. لذلك يجب إلغاء الدعم تدريجياً لتقليل تأثير التضخم. وهذا قد يساعد أيضًا منح الحكومة الوقت الكافي لتقوية ومتانة برنامج التضامن الاجتماعي.