تناقلت بعض وسائل الإعلام بيان وزارة المالية عن إيرادات و مصروفات الدولة عن الفترة من 1/1 حتى 31/10/2020 .
هذا و قد تضمن البيان عدداً من المغالطات الكبيرة بل الفادحة و التي لا يمكن إيجاد تفسير لها و للأسف إلا بوضعها في خانة التضليل الإعلامي و إثارة الرأي العام بإعطاء صورة مغايرة عن حقيقة سوء ألا وضاع المالية للدولة و التي باتت معروفة لدى الجميع تقريباً جراء هبوط الايرادات و تنامي العجز في الميزانية و تفاقم الدين العام و إرتفاع معدلات التضخم والبطالة ناهيك عن إرتفاع الدولار و تردي الخدمات .
فبيان الوزارة ذكر إن إجمالي إلإيرادت خلال الفترة بلغت 42.800 مليار دينار في حين بلغ إجمالي الإنفاق العام 29.100 مليار دينار أي هناك وفر قدره 13.700 مليار دينار ، و في الواقع هذا الوفر لا وجود له إطلاقاً بل هناك عجزاًمالي يبدو الأعلى في تاريخ البلاد حيث تقارب نسبته 0/080 من قيمة الإنفاق كما سنرى فيما بعد .
و السؤال هو ما هي نسبته من الناتج المحلي للبلاد ؟؟؟
حيث كانت تفاصيل الإيرادات و هي محور موضوعنا كما يلي .
- إيرادات نفطية و سيادية بقيمة 7.100 مليار دينار .
- قرض حسن من المركزي بقيمة 20.000 مليار دينار .
- إيرادات رسوم على مبيعات النقد الأجنبي بقيمة 15.700 مليار دينار .
و قبل الخوض في تلك المغالطات يجب التذكير با لأني .
1- مفهوم الإيراد يعني لنا تلك المبالغ التي تتحصل عليها الحكومة من خلال مبيعات النفط أو من خلال تقديمها لبعض الخدمات أو من خلال المبالغ التي تتحصل عليها بموجب القوانين و التشريعات النافذة كالضرائب و الجمارك و فوائض شركات القطاع العام و ذلك بحكم ممارستها لسيادتها و تحملها لمسؤولياتها بموجب الإعلان الدستوري المؤقت و القوانين الصادرة بمقتضاه ، و لم نسمع أبداً إن القروض التي تقترضها الحكومات لتغطية العجوزات في ميزانياتها و التي ملزمة بسداد أقساطها و فوائدها تصنف كإيراد لها ، فهذه آلتزامات مالية واجبة السداد يتحمل المواطنين وحدهم دون غيرهم مستقبلاً تبعاتها إما في شكل فرض تدابير تقشفية كرفع للدعم أو تخفيض في المرتبات أو تقليص للجهاز الإداري أو أحياناً في شكل زيادة في الضرائب و رسوم لبعض الخدمات الأساسية ، كما إن هناك فرق كبير بين بيان الإيرادات و المصروفات و بين بيان المقبوضات و المدفوعات أو ما يعرف ببيان( التدفق النقدي ) من حيث المحتوى و الغرض منهما .
2- هناك دين عام مصرفي تقارب قيمته الإجمالية من 140 مليار دينار مع نهاية العام الحالي و ذلك بإعتراف الوزارة نفسها و المركزي في طرابلس و البيضاء و هذا الدين يتوجب على وزارة المالية جدولته و سداد إسقاطه لإن تفاقمه له تداعيات خطيرة على الإقتصاد لا يحمد عقباها .
3- البند الرابع من محضر الإصلاحات الإقتصادية للعام 2018 م ( مرفق صورة ) أكد صراحةً على أن تعطى الأولوية في تخصيص نسبة من عوائد الرسم أو الضريبة على مبيعات النقد الأجنبي لإطفاء الدين العام لدى مصرف ليبيا و صيانة المرافق و دعم الخدمات العامة كالتعليم و الصحة و المواصلات ( البرامج التنموية ) و ذلك وفق لقرارات تصدر عن الرئاسي .
4- استناداً إلى قرار المجلس الرئاسي رقم ( 208 ) لسنة 2020 م بشأن إعتماد الترتيبات المالية للعام الحالي 2020 م و التفاهمات التي تمت بشأنها بين الرئاسي و المركزي بشأن ضمان إستدامة التمويل و ذلك في ظل تعطل إنتاج النفط فإن الأمر يستوجب بضرورة أيلولة الجزء الأكبر من عوائد الرسم على مبيعات النقد الأجنبي لإطفاء الدين العام المصرفي على أن يخصص الجزء المتبقي لتمويل البرامج التنموية ، و في مقابل ذلك يلتزم المركزي بتسييل قيمة القرض المخصص لتغطية العجز في الترتيبات المالية أو الميزانية و المقدر ب 26.706.400 مليار ، مع التذكير إن هذه التفاهمات لازالت تسير بشكل جيد و أستغرب لماذا وزارة المالية تتعمد التنصل منها رغم إنها ملزمة بتنفيذها ؟؟؟
و عليه و بناءاً على ما تقدم فإن قيمة الإيرادات الفعلية عن الفترة موضوع البيان و فق للمفاهيم المحاسبية و التفاهمات التي تمت بشأن ضمان إستدامة التمويل تكون كالتالي .
- إيرادات نفطية بقيمة 2.400 مليار دينار .
- إيرادات سيادية بقيمة 1.628 مايار دينار .
- إيرادات الرسم على مبيعات النقد الإجنبي 1.750 مليار دينار ( خصص هذاالمبلغ للمشاريع التنموية ) .
- إذن إجمالي إيرادات الفترة 5.778 مليار دينار فقط
- في حين بلغ إجمالي الإنفاق العام ما قيمته 29.100 مليار دينار ( متضمن هذا المبلغ لمرتبات أكتوبر المنصرم ) .
- بلغت قيمة القرض المسيل لتغطية العجز حتى نهاية أكتوبر ما قيمته 22.255 مليار دينار أي ما يعادل 10/12 من إجمالي قيمة القرض المخصص لتمويل اجمالي العجز و المقدر ب 26.706.400 مليار دينار .
- بلغ إجمالي عوائد الرسم أو الضريبة على مبيعات النقد الأجنبي ما قيمته 15.117 مليار دينار خصص منها 13.670 مليار دينار لإطفاء الدين العام و خصص الجزء المتبقي و البالغ 1.750 مليار دينار لتمويل البرامج و المشاريع التنموية .
- تضمنت قيمة الإيرادات النفطية و السيادية وفق لبيان وزارة المالية مبلغ 2،871 مليار دينار قيمة إيرادات نفطية عن شهر ديسمبر 2019 م .
و في الختام ادعو وزارة المالية و التي بالتأكيد مؤسسة عريقة بل من أعرق مؤسسات البلد و بها العديد من الخبرات و الكفاءات أدعوها أن تلتزم مستقبلاً بالمفاهيم المحاسبية و بالتفاهمات التي تمت بشأن الترتيبات المالية المعتمدة للعام الحالي 2020 م و التي تعتبر جزء منها و أن تتحلى أيضاً بمعايير الإفصاح و الشفافية عند إصدار بياناتها و تقاريرها و أن تقر بإن جدولة الدين العام و إستهلاك أقساطه أحد أهم مسؤولياتها الدستورية و القانونية و عليها أن تدرك إن تجاهل هذه المسؤولية له تداعيات و عواقب وخيمة على إقتصاد البلاد يتعذر تداركها .