نور الدين حبارات يكتب: ( ما المقصود بالدخل النقدي و ماذا يهدف المركزي من خلاله و ما هي تداعياته على الإقتصاد الليبي ) ؟؟؟؟ ( قراءة تحليلية من واقع بيانات رسمية )
الدخل النقدي أو ما يعرف ب cash income هو ذلك الدخل الذي ينتج عن الزيادة في الأسعار و ليس نتيجة للزيادة في السلع و الخدمات .
و هذا وصف للنتائج المُحتملة للإجراء الذي أتخذه المركزي مؤخراً في إطار ما يعرف ب توحيد سعر الصرف أو بالأحرى تخفيض قيمة الدينار و ذلك بهدف إطفاء الدين العام المتراكم الذي فاق حاجز 140 مليار دينار عبر إعادة تقييم أصول المركزي وفقاً لأحكام المادة (27) من القانون رقم (1) بشأن المصارف و إلى حماية إحتياطاته من التأكل و أيضاء بهدف تمويل الميزانية العامة للعام 2021 م بعد أن أضحت الإيرادات النفطية المصدر الرئيس لتمويل الميزانية و في أفضل أحوالها لا تكفي حتى لتغطية قيمة المرتبات التي تناهز إجماليها ( الموحدة ) 30 مليار دينار حيث هذه الإيرادات يتوقع أن تصل إلى18 مليار دولار أي ما يعادل 25.200 مليار دينار وفق للسعر الرسمي السابق 1.40 دينار للدولار .
و الدخل النقدي دخل ظاهري أي غير حقيقي و زيادته تعني لنا التضخم نتيجة لزيادة المعروض النقدي دون أن يقابله زيادة في الإنتاج، فزيادة هذا المعروض ينتج عنه زيادة في الطلب على السلع و الخدمات دون أن يقابله زيادة في المعروض منها خاصةً في إقتصاد ضعيف ريعي غير منتج كالإقتصاد الليبي، و من تمة سيؤدي إلى زيادة غير حقيقية أي وهمية في الناتج المحلي للبلاد و السؤال كيف ؟؟؟؟
بما إن الناتج المحلي للبلاد عن العام 2019 م قدر وفق لبيان عن المركزي بقيمة 49.700 مليار دينار قرابة 0/062 منه يتعلق بإنتاج النفط الذي بلغت مبيعاته أنداك قرابة 31.100 دينار وفقاً للسعر 1.40 دينار للدولار ، فإنه في حال ما أفترضنا جدلاً إن مبيعات النفط المتوقعة للعام 2021 م ب18.000 مليار دولار و بمعدل متوسط إنتاج يومي 1000000برميل تقريباً و بسعر 50 دولار ، ففهذه الحالة تكون إجمالي إيرادات الإنتاج النفطي على سعر 4.48 دينار للدولار يقارب من 80.640 مليار دينار و إذا ما أفترضنا إن هذه القيمة ثمتل 0/062 من إجمالي هالناتج المحلي للبلاد فإننا نجد أنفسنا أمام ناتج محلي إجمالي ضخم بقيمة 134.400 مليار دينار ، و هذا في الواقع غير حقيقي فكميات الإنتاج لم تتغير و سعر النفط في الأسواق العالمية شبه ثابت و الذي تغير هو سعر صرف الدينار أمام الدولار أو قيمته التعادلية فقط و لم تكون هناك زيادة حقيقية في السلع و الخدمات بقيمة الفرق بين عامي 2019 و 2021 م و عليه فالزيادة المفترضة في الناتج المحلي زيادة نقدية ظاهرية أي وهمية قيمتها 84.700 مليار دينار .
و لمعرفة تداعيات هذا الإجراء على الإقتصاد خلال العام 2021 م نحلل المثال التالي .
1- قدرت ميزانية الوفاق المعتمدة ( الترتيبات المالية ) للعام 2020 م 38.5 مليار دينار و هناك ميزانية أخرى للحكومة المؤقتة تقدر ب 11.5 مليار أي اجمالي الميزانية الموحدة في حدودها الدنيا تقدر ب 50 مليار دينار .
2- بإفتراض أن الإيرادات النفطية للعام 2021 م اقدر بما قيمته 18 مليار دولار في حال ما أستمرت ظروف الإقتصاد العالمي و الطلب على النفط على ما هو عليه الْيَوم و تقريباً عند 50 دولار للبرميل و بمعدل إنتاج 1 مليون برميل يومياً ، أي إجمالي الإيرادات تعادل بالدينار الليبي وفق للسعر الجديد قرابة 80.640 مليار دينار يضاف اليها إيرادات سيادية تقديرية بقيمة 2.000 مليار دينار .
و إذا ما أفترضنا تم فعلاً توحيد سعر الصرف حتى للأغراض الحكومية كما آعلن . فإنه في هذه الحالة سيتضخم حجم الإنفاق العام كما يلي .
1- المرتبات الإجمالية قد تصل إلى 35 مليار دينار أخداً في الإعتبار قيمة علاوة الأبناء و الزوجة و الإفراجات و التسويات و الترقيات المستحقة، هذا دون إحتساب قيمة الزيادات المقررة و المستحقة لبعض المرتبات خاصةً في قطاع التعليم و التي هدد منتسيبها بإضراب عام .
2- فاتورة الدعم ( وقود و أدوية و مستلزمات شركات الكهرباء و الصرف الصحي و مشروع النهر ) أيضاً ستتضاعف بشكل كبير فإذا كان إجمالي هذه الفاتورة يقدر ب 7 مليار دينار خلال عام 2020 أي ما يعادل 5 مليار دولار بسعر 1.40 دينار للدولار فإنها على سعر 4.48 دينار للدولار قد تصل 21 مليار دينار .
3- لو قدرت نفقات الباب التاني ( التسيير ) و التحول و الطوارئ ب 4.000 و 7.000 و 5.000 مليار دينار على التوالي .
عليه فإن إجمالي الإنفاق العام يقدر ب 72 مليار دينار و هذا رقم ضخم يفوق طاقة الإقتصاد أو السوق الليبي .
و بما إن الإنفاق العام بجميع أبوابه في حد ذاته ما هو إلا دخول للمواطنين أي بمعنى ينفق للمواطين في شكل مرتبات ، و للتجار و الموردين في سداد المشتريات الحكومية ، و للمقاولين في شكل مستخلصات عن مشاريع تنموية .
و عليه فإن إنفاق هذه الدخول حتماً ستؤدي إلى زيادة في الطلب على السلع و الخدمات سيما الأساسية منها و من ثم إرتفاع أسعارها و تاكل القدرة الشرائية لمحدودي الدخل الذين يمثلون الأغلبية الساحقة في المجتمع بعد تخفيض قيمة الدينار .
و السؤال هو ماذا يمكن أن يفعله المركزي في حال تزايد الطلب فعلاً على السلع والخدمات ما يعني تزايد الطلب على النقد الأجنبي ؟؟ و ماذا في حال تراجع الطلب على النفط في الأسواق العالمية ، أو أوقف تحالف أوبك و روسيا إتفاق تخفيض الإنتاج أو لقيام إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن بإعادة إيران للإنفاق النووي بشروط مقابل رفع العقوبات إلى جانب رفعه للعقوبات الأمريكية على فنزويلا و هذا كله متوقع جداً؟؟ فهل سيلجاء المركزي حينها إلى مزيد من التخفيض لقيمة الدينار تحت ذرائع الفساد و الإعتمادات الوهمية و السوق الموازية ؟؟؟
و إذا كانت فاتورة دعم الوقود تكلف حالياً 3 مليار دولار أي ما يعادل 4.130 مليار دينار فكم ستكلف الحكومة عند توحيد سعر الصرف ؟؟؟ و بكم سيحتسب لتر البنزين للمواطن و كم قيمة الدعم النقدي المقابل له ؟؟؟؟