تنص المادة (32) من القانون المذكور صراحةً على الأتي ( يحدد المصرف أسعار صرف الدينار الليبي ، مقابل العملات الأجنبية و يتولى إدارتها حسب التطورات المالية و الإقتصادية المحلية و الدولية و بما يحقق مصالح الإقتصاد الوطني ) ( مرفق صورة ) .
و من خلال قراءة أو إطلاع القارئ لنص هذه المادة يفهم إن المصرف المركزي من خلال مجلس إدارته هو من يُحدد سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية ، و لكن عملياً و ضمنياً فإن الأمر مختلف و ليس كذلك ، فهذه المادة لا تعني إن المركزي يحدد سعر الصرف منفرداً بل عليه التنسيق و التشاور المكتف و الجلوس مسبقاً مع الحكومة قبل إتخاذ قراره بالخصوص خاصةً عندما يهدف الإجراء إلى تخفيض قيمة الدينار ، فإجراء كهذا سيؤثراً حتماً على القدرة الشرائية لدخول و المواطنين و مدخراتهم و على مستوى معيشتهم و على أسعار السلع و الخدمات السلع الأساسية و على فاتورة الدعم كما يؤثر على قيمة أصول الدولة و التزاماتها المالية و على تدفقات الإسثتمارات الأجنبية و جميع هذه الإجراءات و تداعياتها تخص الحكومة و هي مِن تتحمل تبعاتها، و بالتالي كان يتوجب أن تكون الحكومة في الصورة لا ان يتم اجراء كهذا بمعزل عنها أو في ظل غيابها ، و لكن السؤال اَي حكومة ؟؟؟
و للتوضيح أكثر و على سبيل المثال لا للحصر، قوانين الميزانية أو المالية العامة التي تجيز جباية الأموال و صرفها، فهذه الميزانيات و كما هو معروف في جميع دول العالم تقرها البرلمانات بموجب قوانين صادرة عنها و لكن بالتأكيد هذا لا يعني لنا إن هذه البرلمانات هي من تعد و تقترح مشروع هذه الميزانيات ، بل هذه الميزانيات تعدها الحكومات و هي من تدرسها و تقترحها و تضع تقديراتها بما يتماشى مع أهدافها و خططها التي وضعتها مسبقاً و يقتصر دور البرلمانات في مناقشتها لتلك الميزانيات و مطالبة الحكومات بإجراء أي تعديلات إذا تطلب الأمر ذلك و من ثم إقرار البرلمانات لتلك الميزانيات في شكل قانون و هو بمثابة ترخبص للحكومات لجباية الأموال و إجازة إنفاقها ، فالحكومات هي من تدير و تنفذ الميزانيات و هي أدرى بشؤونها و ليس البرلمانات مع إحتفاظ الأخيرة بحقها في مراقبة تنفيذها .
و بالعودة إلى عنوان المقال فكان من الاولى و الأجدى للمركزي و بعد إنقسام و قطيعة بين أعضاء مجلس إدارته لمدة سبع سنوات تقريباً أن يبادر أولاً بترميم و إصلاح بيته الداخلي و توحيد إدارته و يطالب أيضاً بتوحيد السلطتين التنفيذية و التشريعية لإن لا يمكن له أن يكون مصرف مركزي لحكومتين و يخضع لإشراف برلمانيين متصارعين أحدهما في شرق البلاد و الأخر في غربها .
و ليس هذا فقط بل كان يتوجب عليه الحذر من تصرفات الحكومة مستقبلاً و ذلك بالنظر لتجاربها السابقة و ذلك عندما تخلت حكومة الوفاق عن كل إلتزاماتها المتعلقة بتفعيل أدوات السياسة المالية و التجارية في إطار ما يسمى بالإصلاح الإقتصادي و أقتصر دورها فقط في فرض الضريبة أو الرسم على مبيعات النقد الأجنبي التي دفعها المواطنين بشكل غير مباشر و رفضت حتى تخصيص عائدات هذه الضريبة لإطفاء الدين العام المصرفي و ذلك بالمخالفة للإنفاقات التي تمت بشأنها حيث تصر الحكومة إلى يومنا هذا على إعتبارها مورد أو مصدر من مصادر تمويل الميزانية .
عليه و في الختام يجب على المركزي تجنب الإنتقائية أي لا ينصب تركيزه في موضوع توحيد سعر الصرف ( تخفيض قيمة الدينار ) على مصالحه من خلال إطفاء الدين العام و ضمان تمويل ميزانية 2021 م و يتغاضى عن التداعيات الأخرى المصاحبة له و التي تقع مسؤوليتهاعلى عاثق الحكومة ، و يجب عليه أن يدرك إن تحقيق وعوده التي يسوقها عبر وسائل الإعلام يتوقف بالدرجة الأولى على مدى إستجابة و جدية الحكومة في إتخاذ الإجراءات اللازمة و الموازية لقرار التخفيض ، فالحكومة قانوناً هي من تدير النفط و تشرف على حساباته و هي المسؤولة على تأمينه و حمايته و ضمان تدفقه بإنتظام و هي من تتفاوض مع تحالف أوبك و روسيا بشأن سقف الإنتاج و هي من تخصص له الميزانيات لزيادة قدراته الإنتاجية و هي أيضاً من تدير الإنفاق العام و تتحكم فيه كما هي من تقرر رفع الدعم أو إستبداله أو إبقائه .