الاستبدال هو ترك شيء لآخر غيره ، والادنى هو الأقل قدرا والأوضع والأكثر خطرا ، والانسان السّوي عادة ما يفضل الأجود عن الادنى ، وهذا على خلاف ما اقدم عليه بنو اسرائيل ، عند تفضيلهم للأدنى ( البصل والثوم ) عن الافضل
( المن والسَلوى ) كما جاء في القرآن الكريم .
وفي ظل الأوضاع السَياسية والأمنية المتردَية في ليبيا ، سارع الكثير منَا الى سحب أموالهم من البنوك ، لتخزينها والاحتفاظ بها خارج الجهاز المصرفي ، لمواجهة شُحْ السَيولة وتلبية الاحتياجات الضّروريّة اليومية ، وأصبح السَلوك الاقتصادي الرشيد هو الاحتفاظ بالنقود خارج المنظومة المصرفية ، على خلاف المعهود في العرف الاقتصادي ، من اهمية الاحتفاظ بها داخل المصارف لتؤدي دورها الاقتصادي المهم .
ومع تزايد أزمة السيولة حدَة ، أصبح البحث عن البديل ضرورة حتمية لكل اطراف العلاقة ، البنك المركزي ، البنوك التجارية والجمهور ، وقد وجدت كل تلك الاطراف مجتمعة ضالتها سانحة في استغلال التكنولوجية الحديثة ، التي شهدت فيها الساحة المصرفية على المستوى الدولي تطورا كبيرا .
لذا فمن الممكن أن نجد في التكنولوجية الحديثة حلاً لأزمة السيولة وحلاَ ايضاً لدفع الجمهور للاحتفاظ بأموالهم لدى البنوك التجارية في زمن قياسي ، مقابل ما يمكن أن يستغرقه من وقت لإقناعهم بإيداع أموالهم لدى الجهاز البنكي باتباع وسائل اخرى .
لذلك ، فلماذا لا نستبدل الذي هو خير ( خدمات الدفع والسَداد الإلكتروني ) بالذي هو ادنى ( الاحتفاظ بالسيولة النقدية في المنازل ) ؟
يعني لماذا لا نقوم بنقل آخر مستجدات التكنولوجية في العالم التي تهدف لخدمة المواطن ورفاهيته ، الى المنظومة البنكية في ليبيا حتى نعيش المثل القائل رُبَ ضارة نافعة .
يبدو أنَ مصرف ليبيا المركزي قد ادرك ذلك ، واتَخذ استراتيجية تهدف الى نشر بيئة مركزية لتكنولوجية المعلومات ، وفي سبيل تحقيق ذلك قام في هذا المضمار بالإسراع في اتخاذ العديد من الإجراءات منها :
1. تطبيق المنظومة البنكية المتكاملة أو ما يعرف بفليكس كيوب البنكي الشامل .
2. نظام معالجة الصكوك آليا .
3. منظومة المقاصة الالكترونية .
4. منظومة التسوية الاجمالية الفورية .
كما أطلق مصرف ليبيا المركزي مبادرته لتسديد 50% من مبيعات التجارة الالكترونية نقدا ، ولفت في هذا الشأن انتباه الاطراف ذات العلاقة الى شرط عدم اضافة اي زيادة في الاسعار .
لقد شجَع ولوج مصرف ليبيا المركزي مجال استخدام التكنولوجية الحديثة للرَقي وتطوير الجهاز البنكي ، العديد من البنوك التجارية وغيرها من المؤسسات ذات العلاقة لتبنّي ذات النَهج ، خاصة عندما قام مصرف ليبيا المركزي بتوجيه البنوك التجارية العاملة في ليبيا ، بضرورة الاسراع في
اصدار البطاقات المحلية والتَوسع في نشر نقاط البيع في كافة ربوع الدولة ، وبالتالي انطلقت خدمات العديد من التقنيات التي سهَلت من إجراءات وسائل الدفع والسَداد الالكتروني ، وساهمت في حل أزمة السيولة الى درجة معقولة ، وزادت من قدرة المستهلك الشرائية من ناحية اولى ، وساهمت في تعزيز وزيادة مبيعات الاطراف الاقتصادية الاخرى المقابلة
للمستهلك من ناحية ثانية ، ومن ناحية ثالثة ولعلَ أهمَها أنَها ساهمت في الحد من الطلب على الاوراق النقدية ، وأصبح بالإمكان في ليبيا ، أن يُجري المستهلك عمليات تجارية دون العد النقدي للنقود ، الذي أصبح أثرا بعد عين في الدول المتقدمة منذ سبعينيات القرن الماضي .
وبذلك نجد أنظمة الدفع والسداد الالكتروني وما في حكمها من بطاقات الكترونية وآلات سحب ذاتي وبطاقات دفع مسبق ، قد ساهمت في انعاش الدورة الاقتصادية ، التي كان من الممكن أن تشهد كسادا لولا تزايد حركة التدفقات النقدية من خلال أنظمة الدفع والسداد الالكتروني
ولكن هل يمكن للتكنولوجية الحديثة في القطاع البنكي ، أن تنجح في الحد من الطلب على النقد الورقي في ليبيا ؟ الاجابة قطعا نعم ، ولكن بشروط متى توفرت يمكن عندئذ تجاوز حتى نموذج الأداء الاعتيادي للبنوك التقليدية الى البنوك غير التقليدية ، شريطة توفر عوامل نجاح أهمها ، وجود بُنية تحتية ملائمة لشبكة عريضة من الانترنت ، تضم كل الاطراف ذات
العلاقة ، بالإضافة طبعا لمتطلبات اخرى من تشريعية واستراتيجيات معينة.
ولعلَه من الجدير بالذكر أنَ أهم عامل لتحقيق ذلك هو توفير التَمويل اللازم للبُنية التحتية لشبكة الانترنت والذي نعتقد جازمين بسهولة الإتيان به في ليبيا ، أيضا من الجدير بالذكر أنَ الامن مطلب اساسي ولكن يجب الّا يكون حجر عثرة في انجاز الحلم الذي بالإمكان أن يصبح حقيقة
مُعاشة ، بل نعتقد أنّ تطبيق التكنولوجية الحديثة في القطاع المصرفي ، سيساعد في حماية المواطن ويزيد من رفاهيته ، وتعزيزا لما نعتقد ، يوجد في ليبيا ألآن تطبيق لوسائل دفع وسداد الكتروني ، تمكَن المواطن أو
المستهلك من حصوله على احتياجاته من سلع وخدمات وهو في عقر داره أو بيته من خلال الهاتف الخلوي أو النّقال ، دون اضطراره لخوض معركة الازدحام المروري وهو في طريقه الى البنك ، ودون أيضا معاناته لِمَلل الانتظار على اعتاب المصارف حتى تفتح أبوبها لتوزيع شحنتها من العملة .